إثر فقدان شيخ المسرح الجزائري ‏

الفنانون يعلنون الحداد

الفنانون يعلنون الحداد
  • القراءات: 1974
دليلة مالك دليلة مالك

نزل خبر وفاة شيخ المسرحيين الجزائريين كالصاعقة على أهل المسرح وذويه في المحيط الفني، وتوافدوا إلى مقر المسرح الوطني الجزائري ”محي الدين بشطارزي”، منذ الصباح الباكر من يوم أمس، لتقديم واجب العزاء لبعضهم وحضور الجنازة بمقبرة العالية.

أجواء مشحونة بالأسى والحزن غلبت على ساحة ”بور سعيد”، على فقدان الشيخ امحمد بن قطاف، حافلتان وضعتا تحت تصرف الفنانين والممثلين والإداريين لتشييع جثمانه، وجوه مصدومة للمصاب الجلل، منهم من خانتهم ألسنتهم ولم يستطيعوا التعبير عن عميق حزنهم الذي بدا جليا على محياهم.

الممثلة والمخرجة المسرحية، سعاد سبكي، اعتذرت ولم تنبس بكلمة عن الراحل من شدة التألم على رحيل واحد من أعمدة المسرح الجزائري، بل لعله آخر رجال الزمن الجميل من أيام مجوبي ورويشد وعلولة وغيرهم كثيرون، وهو الصمت الذي كان أبلغ وأصدق من كلمات كثيرة تترجم مدى حزنها وارتباطها بـ«عمي امحمد” كما يحبذ محبوه أن يدعونه.

بصعوبة كبيرة أدلت الممثلة والمخرجة، ليندا سلام، بدلوها المليء بالشجن وبصوت منكسر وخافت قالت ”نحن بصدد توديع فنان كبير، نحن في قمة الحزن، فقدنا واحدا من العائلة المسرحية وعلى إثره فنحن في حداد”.

وقال الممثل الكوميدي الشهير، كمال بوعكاز، في المرحوم امحمد بن قطاف أنّه تعرّف عليه من خلال العمل المسرحي ”التمرين”، حيث اكتشف فيه إنسانا آخر غير الذي كان يراه من خلال الشاشة أو الأعمال المسرحية، مضيفا ”لقد عرفت بن قطاف على حقيقته ونهلت من معينه الكثير حتى وإن كانت في فترة وجيزة”، وتابع ”رحمه الله وألهم ذويه الصبر”.

من جهته، أكد الممثل فؤاد زاهد أنّ الساحة الفنية فقدت اليوم عمودا حقيقيا من أعمدة المسرح، لأنّ ”الشيخ” رحمه الله نسج علاقة حميمية بين الفنانين الممثلين والصحافيين لم يستطع غيره نسج خيوطها وجعلها كالأسرة الواحدة، فمن قبل كانت تتصف بالتشنج، لكن بن قطاف كان له شيئ خاص به، واسترسل ”يرحمه الله”.واستهل الممثل والمخرج المسرحي، محمد إسلام عباس، بالدعاء للفقيد بالرحمة، ثم تحدّث عن تجربته الشخصية مع بن قطاف، إذ عرفه قبل أن يكون مديرا للمسرح الوطني الجزائري، وعرفه كإنسان وفنان، وقال إسلام ”يشهد الله وأشهد أنا عليه أنه فتح الأبواب للشباب المبدعين وغير المبدعين، وسينصفه التاريخ يوما ما كونه إنسانا عشق المسرح أكثر من محيطه العائلي، وكان يؤمن بالتغيير إيمانا قويا وبأنه حتمية لا مجال للتنصل منها، أتمنى من الجيل الحالي ممن صنعهم الراحل أن لا ينسوا فضله عليهم وألا ينكروا الجميل، سيذكره التاريخ أنه عمود المسرح الجزائري شئنا أم أبينا”. وأردف المتحدث ”تعلّمت كثيرا والحمد لله وكنت محظوظا في ذلك ولن أنسى خيره عليّ وسأدعو له دوما بالرحمة لأنّه إنسان يستحق ذلك”.  فور سماع النعي، سارع الممثل القدير والمخرج، العيد قابوش، قادما من عنابة، لتقديم واجب العزاء لعائلة الفقيد وأهل الفن، وعن الراحل قال قابوش ”امحمد كفنان هو فنان عالمي، وككاتب هو كاتب معروف بنضاله والتزامه اللذين تعكسهما نصوصه النابعة من قلب المجتمع الجزائري والمغاربي، هو كاتب مغاربي بامتياز.. أما كإنسان فهو شخص كريم جدا جدا وبسيط جدا كذلك.. لم تغوه الشهرة يوما”.

وقالت الممثلة والمطربة، فايزة أمل، ”إنّ شخصية بن قطاف فريدة من نوعها، كان كالأب الحنون لم أحس بسلطته الإدارية أبدا، وكان يقول لي دائما لو كنت أملك الصحة لصقلت موهبتك” وتابعت ”تشرّفت بالعمل معه، إذ كان وراء اختياري في بعض أعماله خاصة في دوري الأخير بمسرحية ”الشهداء يعودون هذا الأسبوع”.

وقال من جانبه، الممثل والمخرج إبراهيم شرقي أنّ الساحة الفنية لم تفقد امحمد بن قطاف لأنّه ترك أعمالا كثيرة وساهم في تحريك العجلة الثقافية، مؤكّدا أنّ بن قطاف يعدّ عنصرا هاما في المجتمع بزرعه الأفكار الحميدة والطيبة في أذهان المتفرجين، ومن جهة أخرى كانت له مساهمات في الكتابة المسرحية والتمثيل والإخراج.وأضاف أنّ بن قطاف أعطى مفهوما جديدا للمسرح وصفه بـ«مسرح الجيب” أو ”مقهى المسرح”، حيث اشتغل على الفرجة والمضمون معا على غرار مسرحيات ”فاطمة” و«العيطة” و«آخر المساجين” وغيرها، لقد ترك خزانا كبيرا للمسرح الوطني والمغاربي والعربي والإفريقي والمتوسطي واستطاع أن يصدر المسرح الجزائري إلى الخارج فأعماله  تمت ترجمتها إلى لغات عديدة.

من جهته، قال بن إبراهيم فتح النور المكلّف بالإعلام بالمسرح الوطني الجزائري إنّ الجزائر فقدت أسدا من أسودها في مجال المسرح، كان همه الوحيد هو فتح الفضاء للشباب المبدعين الذين يقدمون العزاء في فقد شيخ المسرحيين امحمد بن قطاف، وتابع المتحدث ”بن قطاف فنان كامل متكامل، ممثل ومخرج ومترجم ومسير، جعل من المهرجان الوطني للمسرح المحترف محطة مهمة في العالم العربي وبنا جسورا بين الأدب والمسرح، هو الذي قال ”الجزائر لا تحميها الدبابات ولكن الثقافة هي التي تحميها”.

وأكد فتح النور أن بن قطاف قام بأخذ المسرح إلى أقصى نقطة من الوطن في تمنراست وإيليزي وأدرار وغيرها، وكان يدعم الجمعيات والتعاونيات، وكان شغله الشاغل التكوين من خلال الورشات التي ينظمها المسرح في الولايات كذلك، بالإضافة إلى اكتشاف المواهب الشابة والجديدة، وختم حديثه ”فقدنا الإنسان والأب وشيخ المسرحيين العرب”.