مكتبة شايب دزاير تقدم كتاب "الحاج الهاشمي قروابي"

الفنان الذي تمرد على قوالب الشعبي الصارمة

الفنان الذي تمرد على قوالب الشعبي الصارمة
  • القراءات: 1051
مريم. ن مريم. ن

قدّم الكاتب الصحفي عبد الكريم تازاروت سهرة أول أمس بفضاء مكتبة شايب دزاير (مؤسسة النشر والإشهار)، كتابه "الحاج الهاشمي قروابي"، وذلك بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيله، وبحضور حرم الراحل وجمع من أصدقائه وعشاق فنه. كما كانت المناسبة فرصة للإعلان عن برنامج إحياء ذكراه العاشرة المصادفة لـ 17 جويلية.

أدار الندوة السيد سيد علي صخري، وهو مكتبي وصاحب مقهى أدبي. وقد حرص بداية على الربط بين المدينة وفن الشعبي؛ على اعتبار هذا الأخير ناشرا لروح التمدن ورفعة الأخلاق ورقي المعاملات، علما أن ليس بالضرورة أن كل ابن مدينة متحضر، ليصل إلى أن الراحل قروابي كان ابن مدينة الجزائر، وكان متحضرا، نشر بفنه القيم والتراث.

أشار صاحب كتاب "الحاج الهاشمي قروابي" إلى أن هذا الفنان أحدث ثورة في فن الشعبي بعدما تمكن من أصوله ونصوصه؛ فلقد كان يحفظ القصيد عن ظهر قلب، ثم يفهمه ويستوعبه جيدا؛ مما انعكس على أدائه المتمكن، وذلك منذ بداياته الأولى.

من ضمن ما ذكره الأستاذ تازاروت أن قروابي تمرد على بعض مظاهر الأداء لهذا الفن؛ كأن يغني المطرب وهو جالس ووجهه عبوس أو صارم، ليغني واقفا ومبتسما حتى في نصوص الجد.

الكتاب (تُرجم أيضا إلى العربية) يرصد كل التفاصيل، علما أن المؤلف تتبّع مسار وحياة الراحل منذ 40 سنة؛ على اعتبار أن قروابي كان وسيبقى جزءا من حياة وذكريات الجزائريين، "فمن هو الجزائري الذي لا يحفظ أغنية لقروابي؟"، تساءل المتحدث.

أكد المتدخل أن الجمهور القروابي أو ما يسمى بـ "الهشماوية"، سيظل وفيا، لذلك حضر تأسيس جمعيته ونادى إليها حتى يبقى فنه خالدا للأجيال.

من الذكريات أيضا أن الراحل كان نجم شهر رمضان الفضيل، وكانت العاصمة تستأنس به، وتذهب الحشود إليه في قاعة ابن خلدون، وفيها يتم تنسّم الياسمين وقصائد الملحون، وهي غنية بالعبر والمواعظ والصور الجميلة، ينقلها بحس لجمهوره المتذوق، وهنا ذكر المؤلف أن قروابي قال له في إحدى المرات: "مر عليّ متى شئت بمسكني بشارع محمد الخامس ستجدني مع قصائدي"، لذلك لم يكن كغيره يستعين بالدفتر في حفلاته؛ على اعتبار أنه كان يحفظ عن ظهر قلب.

قروابي دخل المسرح الوطني قبل الاستقلال مع باشطرزي، وكان يحفظ الأدوار، وكان أيضا ذكيا في تعامله مع الجمهور، فيعطي ما يلزم أن يعطيه في الوقت المناسب، وكان أيضا يتعامل باحترافية مع الكاميرا، لذلك بقي عبقريا في مجال الاتصال خاصة مع الجمهور.

الراحل قروابي كان أيضا أنيقا وفتى أحلام الشابات؛ لذلك أطلقت عنه دعابة، وهي أن كل فتاة تختفي فإنها حتما ذهبت إليه، وظل محتفظا بوسامته وأناقته حتى وهو في سن متقدمة. كما كان متعطشا للنجاح منذ نعومة أظافره، وهو الذي وجد نفسه يتيم الأبوين في سن الـ 6 بحيه الشعبي بالعقيبة، الذي كان فيه قدوة للشباب خاصة في فترة عصيبة من الاستعمار. ونتيجة حبه للفن كان يتنقل إلى مقهى مالاكوف لمقابلة شيوخ الشعبي كي يدخل عالمهم الذي لم يكن من السهل دخوله، ثم برز في الأعراس، وفيها فرض الاختلاف والاستقلالية، ومنها إلى المسرح، ثم التلفزيون؛ حيث كسب جمهورا أغلبه من النساء، ليتخلص بذكاء من قيود الشعبي الصارمة، وأصبح يؤدي بآلات عصرية منها القيثارة، ويلبس على الموضة ويغني متبسما.

في تلك الفترة كان الشباب الجزائريون لا يهتمون بالفن الجزائري؛ فإما يسمعون الغناء الغربي (فرنكفوني وأنجلو ساكسوني) أو الطرب الشرقي، لكن مع بروز قروابي ومعه بعض الملحنين المجددين تغير الوضع خاصة مع الميسوم وحداد الجيلالي ومحبوباتي، فكانت انطلاقة الأغنية الجزائرية التي وصلت الذروة مع "البارح كان في عمري عشرين"، وهنا أكد المؤلف أن أغاني الراحل لم تكن "طقطوقات شعبية" كما يدعي البعض، بل أغانيَ بنصوص شعرية وألحان راقية في قالب شعبي عصري وجديد.

قروابي لم يكن في العاصمة فحسب، بل كان مطلوبا في كل أنحاء الوطن، منها وهران ومستغانم وعنابة وبوسعادة وبجاية وغيرها، لذلك كان الحزن وطنيا يوم رحيله، وهنا يقول المؤلف: "كنت وقتها رئيس تحرير في يومية جزائرية، وتفاجأت أن كل الجرائد خرجت في صفحتها الأولى بوفاة قروابي كحدث وطني، كما أن المراسلين غطوا الحدث الذي عبّر عن حزن كل الولايات، وهو أمر لم يسبق له مثيل في الصحافة الوطنية". ويضيف أن قروابي لايزال مطلوبا، ولازال الناس يبحثون عن تسجيلاته خاصة المتعلقة بالأعراس، والتي كان ينشّطها من التاسعة ليلا إلى الرابعة صباحا.

أثناء تقديم مقاطع من أغانيه وتعالي الزغاريد داخل القاعة بدت السيدة شهيرة متأثرة، وأكدت أن الراحل يستحق منا الكثير؛ فمنذ رحيله صدرت عنه 3 عناوين في انتظار أن يكتب عنه المزيد من طرف الباحثين أو الأصدقاء، وكذا إنجاز أفلام تتناول حياته الفنية، متوقفة عند جهود الجمعية التي ترأّسها "قروابي"، والتي تأسست سنة 2012. 

وبالمناسبة، أكدت أنه سيتم الاحتفال بالذكرى العاشرة لوفاته في 17 جويلية الجاري بالتعاون مع وزارة الثقافة من خلال تظاهرة "أسبوع الهاشمي قروابي"، يتضمن معارض لصوره وأشيائه وكتاباته، وكذا محاضرات ولوحات تشكيلية. كما قام بعض الفنانين الجزائريين بتسجيل أغنية تخليدا لذكراه، ستبث بالمناسبة. بعدها فُتح النقاش مطولا حول جوانب مختلفة من حياة محبوب الجماهير الراحل قروابي.