الدكتور بغورة في "لقاء المعرفة":

الفلسفة الاجتماعية ملازمة لتطور العلوم الاجتماعية

الفلسفة الاجتماعية ملازمة لتطور العلوم الاجتماعية
الدكتور الزواوي بغورة
  • 627
بوجمعة ذيب بوجمعة ذيب

أشار الدكتور الزواوي بغورة، إلى أن الحديث عن الفلسفة الاجتماعية، لا نعني به الرؤى والمنظورات الفلسفية للمجتمع، فالغالب في تاريخ الفلسفة، أنه لا يكاد يكون فيلسوفا من لم يتعرض إلى مفهوم المجتمع، إذا أخذنا بهذا الترتيب الغربي منذ أفلاطون إلى اليوم، ومن ثمة، فعندما نقول الفلسفة الاجتماعية، فإننا لا نتكلم من منظور اجتماعي للفيلسوف، على اعتبار أن هناك فقط، بعض الفلاسفة ممن اهتموا بالمنطق أو بالجانب العلمي المحض، دون اهتمامهم بالمجتمع.

تابع ضيف "لقاء المعرفة" للمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بسكيكدة، أول أمس، قائلا "رغم ذلك، فإن كل الفلاسفة كانت لهم أراء في الأخلاق وفي السياسة، بالتالي، بالضرورة لهم أراء في المجتمع"، وأضاف بأن الفلسفة الاجتماعية، لا تعني ما درج عليه علماء الاجتماع، عندما يقولون إنها تعتبر الأولى من تاريخ علم الاجتماع.

يشير المفكر وأستاذ الفلسفة المعاصرة، ورئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة الكويت، إلى أن كل التنظيرات التي كان يقوم بها علماء السياسة، والمفكرون حول المجتمع، لا تعني الفلسفة الاجتماعية، الشيء الذي هو سابق عن علم الاجتماع الذي تأسس في القرن 19 ميلادي، ويقول إنه منذ ذلك القرن، عندما تأسس علم الاجتماع، ظهرت نزعة علمية، تؤكد أن علم الاجتماع يجب أن يكون مستقلا عن الفلسفة، وأردف أنه وإلى اليوم، هناك من يتنكر للفلسفة الاجتماعية.

عن مفهوم بعض الفلاسفة ونظرتهم لها، يرى الدكتور بغورة، أن في بعض تلك الآراء مفارقات ومغالطات، موضحا أن الفلسفة الإسلامية، انتهت بالنزعة العقلانية الرشيدية، معتبرا أن ابن رشد هو نهاية الفلسفة الإسلامية، مضيفا أن الفلسفة الاجتماعية ما يزال ينظر إليها في بعض دوائر علم الاجتماع وعلم النفس والأنثربولوجيا، على أنها مرحلة سابقة للعلم، وهو ما اعتبر أن فيه الكثير من الإجحاف والذاتية ومن النزعة العلمية الضيقة، إضافة إلى ذلك، فهي غير معترف بها في الكثير من المؤسسات الفلسفية، خاصة ذات الصلة بالتقليد الفرنسي، عدا الجامعات الألمانية المعترف بها والجامعات الأنجلوسكسونية، وعن هذه النقطة، قال الدكتور، إننا لا نزال في كثير من تحليلاتنا النظرية نعيد، دون أن نتفطن، إنتاج نماذج غربية، ويرى أن إنكار حق الفلسفة في الوجود باسم العلم يتنافى والواقع.

خلال محاضرته التي حضرها نخبة كبيرة من الأساتذة والباحثين من جامعات سكيكدة، قسنطينة، عنابة باتنة، وطلبة جامعيون، بالإضافة إلى المهتمين بالشأن الثقافي بالولاية، دافع بغورة بقوة عن الفلسفة الاجتماعية، التي اعتبرها ملازمة لتطور العلوم الاجتماعية، كونها تتميز عن الفلسفة السياسية وعن فلسفة الأخلاق، باتصالها المباشر بالعلوم الإنسانية والاجتماعية، قائلا إن الفيلسوف اليوم لا يستطيع أن ينظر في معطيات المجتمع ومعطيات التاريخ، خاصة ضمن ما تتميز به مجتمعاتنا تقريبا منذ الحرب العالمية الثانية إلى اليوم، من تسارع وتغير دائم، ويضيف أنه لا يمكن في الجزائر اليوم، أن نتكلم عن الأخلاق باسم الخير والشر، دون أن نعرف ما يدور في المجتمع الجزائري من اتجاهات، ومن ثمة، فنحن نحتاج إلى دراسات ميدانية وبحثية ووصفية، نتعرف فيها، خاصة توجهات الشباب، مضيفا أن تلك الانطباعات العامة المرصودة في الواقع، والتي يمكن أيضا رصدها من قبل الإعلام والصحافة، لا تكفي.

يؤكد الدكتور أن الفلسفة الاجتماعية تعطي الأولوية للمجتمع، وقبل ذلك تؤمن بالتعاون مع العلوم الإنسانية، كما أنها تميل إلى فكرة المرض الاجتماعي، كونه خللا، وذلك الخلل في الواقع، كما قال، لا يصيب الفرد، بل يصيب مجموعة من الأفراد أو يصيب المجتمع، ولما يصاب المجتمع بالمرض، فإن ذلك يعني أن البنية الاجتماعية كلها مهددة.

يرى المحاضر أن هذا المبحث الفلسفي الجديد، الذي لا يعتبر نوعًا من إبستيمولوجيا العلوم الاجتماعية، بما أنه لا يكتفي بالدراسة الوصفية للمبادئ العلمية، أو بفلسفة للمجتمع، فحسب، ولا يقتصر على دراسة الأنطولوجيا الاجتماعية، إنما يتميز بالربط بين الوصف والتفسير، والمعيار الواقع، والنظرية والممارسة، من منظور نقدي يسعى إلى تحقيق قيم التنوير، ومن هذا المنطلق، حسب المتحدث، ترتبط الفلسفة الاجتماعية بقضايا الحاضر، والتي في صورتها التجريبية والملموسة، وهو ما يظهر في اهتمامها بالحركات الاجتماعية، والأقليات والمهمشين والمبعدين والمهاجرين، وبنوعية حياتهم، ومعاناتهم، وصراعاتهم وغيرها.