الباحث في الفيزياء رفيق حياحمزيزو خلال تقديمه كتابه:

العلم بحاجة إلى حرية وهو ما لم يجده في العالم الإسلامي

العلم بحاجة إلى حرية وهو ما لم يجده في العالم الإسلامي
  • 899
لطيفة داريب لطيفة داريب

أكّد الكاتب والباحث في الفيزياء رفيق حياحمزيزو، أنّ العلم يحتاج إلى الحرية والاستقلالية كي يزدهر، وهو ما لم يجده في العالم الإسلامي الذي طغت عليه أفكار ارتدت لباسا دينيا، مضيفا أنّ العلم لا يحتمل الحدود ولا الجمود، بل ينهل من الأفكار المهاجرة. كما يحاول إثبات صحة النظريات بالحسّ النقدي والتجربة.

قدّم الأستاذ والدبلوماسي الباحث رفيق حياحمزيزو، أمس بمكتبة "شايب دزاير"، كتابه "النظم الأساسية للحقيقة" الصادر عن دار النشر المكتبة الفلسفية الصوفية، تناول فيه علاقة الفلسفة بالعلوم، وفي مقدّمتها الفيزياء؛ باعتبار أنّها تقود كلّ العلوم.

قال الدكتور في المحاضرة التي نظّمتها مؤسّسة الاتصال، النشر والإشهار، إنّ الانفصال الذي حدث بين الفلسفة والعلوم، مرده التجريب؛ فحينما بدأ العلماء في تجريب النظريات انفصلوا عن الفلسفة. وعاد إلى بعض التفسيرات التي جاء بها بعض العلماء حول أسباب انفصال العلوم عن الفلسفة، فقال إنّ برتراند راسل أرجعها إلى إيجاد العلماء أجوبة دقيقة لأسئلة الفلسفة، مثل معرفة دوران الكواكب، وهو رد على سؤال يتعلّق بحركية الكواكب، ولكن المحاضر دحض هذا التفسير قائلا إنّ إيجاد جواب دقيق لسؤال لا يُحدث بالضرورة القطيعة بين العلوم والفلسفة. وأضاف الدكتور أنّ تفسيرات أخرى قُدّمت حول سبب انفصال العلوم عن الفلسفة، من بينها تطوّر العلوم، مقدّما مثلا عن تطوّر نظرية الجاذبية من عهد غاليلي إلى نيوتن، وهو ما نفاه المتحدث أيضا؛ لأنّ أيّ تطوّر تصاحبه حركية دائمة، كما أنّه مرتبط بجهود العلماء.

وأكّد نائب قنصل ليل الفرنسية أنّ التجريب هو أساس العلوم، حيث استطاع العلماء عبر التجريب، إثبات خطأ نظرية لأرسطو بعد الاعتقاد بصحتها لمدة تزيد عن ألف سنة، ليؤكّد أنّ ابن الهيثم هو أوّل من مارس التجريب، وكان من الممكن أن يحقق مبتغاه لو توفّر على وسائل لإثبات تجاربه مثل نوعية جيدة من الزجاج وغيرها.

وعاد المحاضر إلى أصل فلسفة العلوم، فقال إنّه يقال إنّها بدأت مع مطلع القرن العشرين، حينما أصبحت التفرقة ممكنة بين ما هو علمي وما هو غير ذلك، وكذا وضع حدود بين ما له معنى وما ليس له معنى. وأضاف أنّ الحقيقة غير ذلك؛ باعتبار أنّ فلسفة العلوم موجودة منذ عهد ديكارت وكانط، بل حتى إنّها تعود إلى القرون الوسطى؛ والدليل صدور كتاب الغزالي "تهافت الفلاسفة" الذي ناقض ما جاء في فلسفة أرسطو، والذي رد عليه ابن رشد بكتاب "تهافت التهافت"، مناصرا فيه معلمه أرسطو.

أما عن أسس فلسفة العلوم فقال الدكتور إنّها تعود إلى ديكارت، الذي أكّد على أهمية تجزيئ المشكل وتناول كلّ جزء على حدة، في حين قال كانط إنّ العلوم تستند على الحكم، الذي بدوره يتفرّع إلى التحليل والتركيب. 

وقال الدكتور إنّ بعض العلماء يؤكّدون أنّ العلم يضمّ "براديغم"؛ أي نماذج وأفكارا من الصعب دحضها، مثل كلمة "حقل" التي نجدها في أكثر من موضوع، وتتفرّع في أكثر من علم، ليؤكّد أنّه لا حقيقة ثابتة في العلم؛ لأن هناك نظريات ثبت بطلانها وأخرى قد تبدو حقيقة ولكن لا نعرف مصيرها في المستقبل.

بالمقابل، تطرّق الباحث في الفيزياء لأهداف فلسفة العلوم، فقال إنّه ليس لها أهداف، بل هي عبارة عن مسار يضمّ عدة مفاهيم تهاجر من زمن إلى آخر، في حين اعتبر أنّ بعض العلماء قدّموا تفسيرات مختلفة عن الوسائل التي تستخدمها فلسفة العلوم، من بينها أنّها تهتم بتكرار الحدث لتضع منه قانونا مثل شروق الشمس اليومي، أو أنها تهتم بالتجربة خاصة فيما يتعلق بدراسة حالة معيّنة. كما تناول رفيق مسألة تطوّر النظريات من خلال تعرّضها لثلاث مراحل، حيث تنشأ، ثم تمر بأزمة، ثم تغيب وتكون خاتمتها بداية لنظرية أخرى، ليؤكد رفيق أن هذا التطور قد لا يحدث؛ إذ يمكن أن تعود النظرية القديمة من جديد بفعل النهل من الأفكار السابقة.

وختم الباحث مداخلته بتعريف فيزياء الكم والتأكيد على مساهمتها الأكيدة في التطور، وهي مجموعة من النظريات الفيزيائية التي ظهرت في القرن العشرين، وذلك لتفسير الظواهر على مستوى الذرة والجسيمات دون الذرية، وقد دمجت بين الخاصية الجسيمية والخاصية الموجية، ليظهر مصطلح ازدواجية الموجة - الجسيم، وبهذا تصبح ميكانيكا الكم مسؤولة عن التفسير الفيزيائي على المستوى الذري، كما أنها تطبَّق على الميكانيكا الكلاسيكية ولكن لا يظهر تأثيرها على هذا المستوى، لذلك فميكانيكا الكم هي تعميم للفيزياء الكلاسيكية لإمكانية تطبيقها على المستويين الذري والعادي، ليعود الدكتور ويؤكد على علاقة الفيزياء بالعلوم الأخرى حتى الميتافيزقية منها، مقدما مثلا عن نيوتن، الذي اعتبره أكبر مفكّر في العالم وفي نفس الوقت كان خيميائيا؛ أي أنه كان يهتم بتحويل المعادن إلى الذهب، كما حث على ضرورة أن يسبح العلم في بحر من التسامح والحرية، وأن يصاحبه حب الفضول والحس النقدي. من جهته، قال مدير دار نشر المكتبة الفلسفية الصوفية السيد محمد عتبي، إن داره تدعم التفكير العقلاني والتفتح على التاريخ الفلسفي، وتشجع الجزائريين على الكتابة في الفلسفة والمساهمة في تشكل فكر جزائري مستقل بعيد عن كل استيلاب ثقافي، ليؤكد على حاجتنا لتناول مواضيع تهتم بأنسنة وأخلقة البشر في زمن أصبح الإنسان كائنا دمويا. كما أضاف المتحدث أن الدار تهدف إلى الدفع بالجزائريين إلى تحقيق توازنهم من دون الميل إلى إيديولوجية معيّنة والتطرف نحوها، وكذا الدفع بهم إلى الحضارة.