«العلماء في المجتمع" بالمجلس الإسلامي الأعلى

العلم أساس الدين وعماد النهضة

العلم أساس الدين وعماد النهضة
  • القراءات: 985
❊ مريم .ن ❊ مريم .ن

احتفل المجلس الإسلامي الأعلى أمس، بمناسبة يوم العلم، حيث نظّم ندوة تفاعلية بعنوان "العلماء في المجتمع ورسالتهم الروحية والمعرفية"، تناولت أهمية العلم كشرط للنهضة ومواجهة مختلف التحديات، مع الوقوف عند شروطه وأبعاده الدينية والفلسفية والإصلاحية والاجتماعية.

أكد رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، بو عبد الله غلام الله، أن إنقاذ الأمة وتحريرها من  التخلف "لا يكون إلا بالعلم والعلماء".

وأوضح السيد غلام الله في افتتاح الأشغال أن "إنقاذ الأمة من التخلف لا يكون إلا بالعلم والعلماء"، مضيفا أن المجتمع "بحاجة إلى رجال العلم الذين يساهمون في التنمية وتوحيد الأمة والإقلاع الحضاري". مضيفا أن الغرض من تنظيم مثل هذه الندوات هو "إيقاظ الهمم وجعل الناس يفكرون وليس حشو عقولهم بالأفكار".

وبدوره، أكّد الدكتور جرادي العربي أستاذ علم النفس بجامعة مستغانم في تدخله أنّ أسرار لغة الوحي لا تزال بعيدة المنال، لأنّها أوسع وأعمق من المحيط، وبالتالي نحن نستمتع فقط بجمال شواطئها، لافتا إلى أنّ للغة الضاد مكان في العلوم والفلسفة.

تحدّث المحاضر عن مكانة العلم والعلماء في الظرف الحالي للأمة الإسلامية، متسائلا "هل له قدرات لتجديد الفكر وحل مشاكل الأمة"؟ وتساءل أيضا "هل يزال للإسلام كعقيدة وكمصدر لإثراء وتحديد الفكر العلمي دور في التوجه العام للنظم الاجتماعية"، وكذا "مكانة الفكر الإسلامي في ديناميكية الحضارة"، و«ما هو موقفه من الحداثة كما تطرح في الخطاب الغربي" ، و«هل لدى الإسلام موارده الفكرية"، و«تعامله مع الهوية بشكل فعال وإيجابي نظرا لكثرة التغريب والفتن والإغراء".

يرى المتحدث أنّ العلوم اليوم في أزمة معرفية ليس لديها رابطة، متسائلا "هل علماء هذه الأمة قادرون على إيجاد فكرة تمكّننا من إدراك شكل معرفي له علاقة بالحداثة المطروحة؟، وأشار إلى أنّ المعرفة مجسّدة في نصّ القداسة ولها الحلول للتنمية الاجتماعية، علما أنّ للمساجد دور في تجديد الفكر العلمي.

عن وظيفة ومكانة العلم في إحياء وتجديد الثقافة الإسلامية بعيدا عن التضييق ونقصان دلائل من النص (القرآن والسنة)، أكّد المتحدّث أنّ ذلك مطلوب اليوم، وهنا استحضر بعض التجارب السابقة من تاريخنا الحديث، حيث لعب العلماء دورهم في تجديد الفكر الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي، وكان من هؤلاء الأمير عبد القادر، ما يتوضّح في كتابه "المواقف" المتضمّن نظرته للواقع وللحق وللخالق وللعلوم، وهنا توقّف المحاضر عند الموقف 215 الخاص بتجديد قراءة الآية 43 من سورة العنكبوت "وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ"، حيث فصّل الأمير في معنى العالمون، وربط المخلوق مع الواقع، في حين أنّ اليوم ليس هناك رابطة بين النظريات ابتداء من نظريات "تحت الذرة" وإلى غاية نظريات السلوك الاجتماعي والنفسي، مع عدم تحديد مستويات كلّ علم وعلاقته بعلوم أخرى.

من جهة أخرى، دعا المحاضر إلى تأسيس رؤية جديدة لشبكة قيم روحية تجسّد في نصوص الدولة الوطنية القائمة، وهنا أكّد أنّ العلماء لم يلعبوا كلّ الدور المناط بهم في هذا المجال، ولو ساهموا بغرس هذه القيم الروحية في المؤسسات الرسمية لكانت الأوضاع أفضل، والأمر لا يقتصر على بلادنا، بل كامل البلدان العربية التي استهلكت الرؤى والنظريات جاهزة وطبقتها مما تسبب في تفشي الفتن وتراجع الأخلاق والقيم.

وتناول المتحدث أيضا مسألة تثمين التاريخ الإسلامي العلمي في المنظومة التربوية وعبر المساجد لتترسخ قيمنا الروحية والعلمية أكثر، كما توقف أيضا عند العلامة ابن باديس سابق عصره ومجدّد الثقافة الإسلامية، حيث كان له منهاج وتكتيك خارق، واستطاع أن يكون جيلا حمل على كتفه مهمة تحرير الجزائر، وهذه التجربة عليها أن تثمن عبر الأجيال كإنجاز حضاري مع قراءته ضمن ظروف الراهن.

كما تناول المحاضر أيضا مسألة علاقة العلماء (فقهاء، دعاة، مثقفون وخبراء...) بالسياسة حيث رآها في غاية الأهمية، ومن ثم فإنّ تعاطي العلماء مع السياسة وممارستها في المجتمع وفي التطبيق الميداني ستساهم في ردع الفساد والانحلال في شتى الميادين، كما طالب المتحدّث بضرورة تفعيل منهاج المدرسة المحمدية في التربية العامة وفي النضال المعرفي وفي مسألة الهوية، وتكريس التجديد حتى في النظام السياسي.

المتدخل الثاني كان الأستاذ عيسى ميقاري مدير التكوين بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، حيث قدّم محاضرة بعنوان "رسالة العالم في عالم متغيّر"، وأكّد أنّه مثلما وجدت نظرية "قابلية الاستعمار" هناك أيضا قابلية للنهضة والثورة بفضل الجهود المتراكمة، مستشهدا بالعلامة ابن باديس الذي كان ثمرة لجهود علماء سبقوه.

تحدّث المحاضر أيضا عن مسألة التخصّص حتى في الدين والفقه، وذلك ضمن منظومة معرفية بعيدا عن مسلمة الإرادة الإلهية، كما أنّ العالم لا ينبغي أن يعلو فوق النقد بل عليه التزام قوانين البحث العلمي وإلاّ حصل التسيّب الذي انعكس في وسائل الإعلام، إذ أنّ هناك دعاة ليس لهم علاقة مع التخصص العلمي في مسائل عدّة منها الفقهية، ويجهرون بآرائهم وأحكامهم، ونتيجة بعض الأحكام ذهب الكثير من وقار وهيبة العالم عند العامة، ولذلك طغى الخطباء (المعتمدون على إثارة المشاعر وحشر العوام) على العلماء، وقد قال الإمام البصري "إذا أقبلت الفتنة عرفها كل عالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل".

وطرح المتحدّث مسألة أخرى وهي أنّ العالم أو الفقيه هو أيضا مثقف، علما أنّ الكثيرين يفصلون بين المثقفين والعلماء.

للإشارة، تميزت المناقشة التي فتحت للحضور بالثراء وتركزت على أدوات النهضة والتعامل مع الحداثة، وعلى ضرورة قراءة الواقع بدل الانغلاق وتفعيل المعاملات والمؤسسات التي ترعى القيم والخير وتحوّله لمشاريع مجسدة تفيد المجتمع بدل الاكتفاء بالتغني بها، وكذا طرح مسألة التباعد بين العلوم الاجتماعية والدينية، ما سبب التناقض والازدواجية في العقل العربي، مع استهجان إسقاط الرموز التي تحمي قيم المجتمع وعلى رأسها الإمام والمعلم.