الفيلم الوثائقي "آدي غازي"
الصينيون يصنعون والملغاشيون يصلحون

- 677

شاعت مقولة "الصينيون يصنعون والملغاشيون يصلحون" في أنحاء مدغشقر حديثا، ذلك ما يؤكّده المخرج لوفانا نتناينا في فيلمه الوثائقي "آدي غازي" في رصد نماذج مذهلة عن أشخاص استطاعوا أن يخلقوا من العدم أشياء مدهشة، فكلّ عطب يمكن أن يصلح والآلات منتهية الصلاحية لا يمكنها أن تنتهي عند الملغاشيين الذين يبدعون في إعادة رسكلتها بكلّ إتقان.
استمتع الحاضرون أوّل أمس بقاعة "الموقار" بعرض الفيلم الوثائقي "آدي غازي" الذي يمثّل مدغشقر في المنافسة الرسمية لمهرجان الجزائر للسينما، أيام الفيلم الملتزم، ويروي على مدار 84 دقيقة وفي نسق مشوّق، قصة الملغاشيين مع الأشياء والمصنوعات، إذ يسلّط المخرج لوفانا نتناينا الضوء على حكايات متفرّقة تعكس بحقّ مقولة "الحاجة أمّ الاختراع"، ويبدأ بتتبع أثرهم، بداية من عائلة تعيش من زراعة الأرز، وكيف تجنيه بطرق بدائية، بحمله حزما وضربه على صخر أو برميل لتسقط حبات الأرز، وكيف أنّ هذه العائلة تقوم بصناعة أدوات عملها بيدها ببقايا الحديد والخردوات التي يقدّر البعض بأنّها غير صالحة، يكشفها الوثائقي بإثارة متناهية.
وتزيد جرعة الدهشة لما يتطرّق المخرج إلى نموذج فنان يخترع آلاته الموسيقية بنفسه، ويبدع في خلق أصوات جديدة بكلّ ما تلمسه يداه، مثل بقايا خشب، وعلب مصبرات وأشياء لا تخطر على البال، لكنها في الأخير تشكّل دعامة موسيقية بديعة لألحان فرقته الموسيقية، إنه يؤكّد أنّ عزف الموسيقى ممكن حتى من دون آلاتها.. إنّه وجه آخر للإبداع.
ثم يوجّه المخرج الكاميرا إلى نموذج آخر من الإبداع، يتمثّل في صناعة الأحذية والنعال من مطاط العجلات، ويظهر التقنية العالية التي تتمتّع بها أيادي الملغاشيين الرجال منهم والنساء، حيث لا يمكن تصوّر أن تصبح تلك العجلات المهترئة أشياء صالحة، كذلك تقوم النساء بإعادة استعمال المصابيح المعطلة وعلب الحليب لتصير فوانيس تعمل بالزيت، لها القدرة على أن تضيء ليوم كامل.
واعتمد المخرج على مشاهد مقرّبة تعكس بساطة الحياة ورحابة صدر الشعب الملغاشي، رغم الفقر، وأنّهم قانعون بما يكسبون من مال يغطي قوتهم فقط، فهم غير قادرين على التوفير، وهذا الأمر لا يبدو مزعجا البتة، أما الموسيقى فقد نهلها من صوت الطبيعة والموسيقى والأغاني التي تعزفها الفرقة التي سلط عليها الضوء.
أما المتن الذي بني عليه الفيلم، فجاء متماسكا بفضل سيناريو حرص على التفاصيل وربط بين الأفكار بسلاسة استغنى لوفانا نتناينا عن راوي، فالصورة كانت بليغة، ويحيل عمل المخرج إلى تصوّر اقتصادي لدولته مدغشقر، التي لن تجد أية صعوبة في التأقلم مع الأوضاع الصعبة، أو ما يسمى عندهم "آدي غازي"، وفي المقابل يطرح سؤال "ماذا لو انهارت الأنظمة الاقتصادية القوية؟".. أكيد ستواجه صعوبة للتدارك.