تنظيم ملتقى دولي بميلة

"الصورة، مساراتُ التشكل ورهانات التأويل”

"الصورة، مساراتُ التشكل ورهانات التأويل”
المركز الجامعي عبد الحفيظ بوالصوف ميلة
  • القراءات: 706
لطيفة داريب لطيفة داريب

ينظم معهد الآداب واللغات التابع للمركز الجامعي عبد الحفيظ بوالصوف (ميلة)، ملتقى دوليا تحت عنوان الصورة، مسارات التشكل ورهانات التأويل برئاسة الدكتورة وفاء مناصري، ورئاسة شرفية للأستاذ الدكتور بوشلاغم عميروش مدير المركز الجامعي، بتقنية التحاضر عن بعد، وذلك يومي 08 و09 ديسمبر القادم. 

جاء في ديباجة الملتقى أن الصورة تُعد لغة الانسان الأول، وأُسّ العالم السحري؛ إذ عبرها تأتّت مكانة التفاعل والتداخل الرمزي؛ الأمر الذي جعلها في مرحلتها البدئية، تأخذ وسمها دينيا بيثيوقراطيا (على حد ما يصطلحه ريجيس دوبري)، يتعلق بعوالم سامقة، تأبى النزول إلى المعادل المتكافئ. أما في مرحلتها الثانية فتتشكل من عوالم إنسانية ذات بعد جمالي، يرتبط أساسا بالفن، وبالكيفية التي تتحول فيها الصورة إلى معادل موضوعي لما هو قابع في ذهن الإنسان، لتنبثق عن هذه الممارسة مجموعة من التمظهرات الأندوقراطية (على حد ما يصطلحه ويؤديه ريجيس دوبري)، التي تتخذ بمقتضاها الصورة، بعدا ماديا. وفي مرحلة ثالثة يذهب ريجيس دوبري إلى كون الصورة تدخل عالم الاقتصاد بحكم مقتضيات تكنولوجية وتسويقية في شقها الترويجي، لتتخذ بذلك بعدا بصريا، قوامه الإشهار والإعلام، منفتحة بذلك على حقل التجريب.

وعبر هذه الآليات الثلاث (التكرار/التقليد/ التجديد) تغدو الصورة موضوعا تتجاذبه ثلاثة أطراف؛ العبادة، والمتعة، والدهشة أو الترفيه، حسبما أبان عنه ريجيس دوبري. وفي مقابل ذلك، فإن الصورة في الأدب عامة والشعر على وجه من التفرد والتخصيص، تأخذ طابعين؛ الأول يؤديه الرسم بالكلمات عبر تلك الانزياحات المنتفية ليقينية المألوف، ونشدانها للمتوتر اللامنطقي، لتغدو تشكلا حرا، يعيد خلق المتنافرات ضمن تركيب لغوي، يهفو إلى شعرية اللامعقول. وأما الثاني فيُقصد به التمثيل البصري على نحو ما نجده قديما في تلك القصائد البديعية، التي برع وتَفنّن فيها الكثير من الشعراء؛ مثل صفي الدين بن الحلي، وابن قلاقس، وابن معصوم، والفخري الوصلي في المشرق. وأما في المغرب فأحمد بن سعيد الحباك المكناسي صاحب القطعة الشعرية المريعة، وعثمان بن علي اليوسي، وقد جاراه صديقه سالم العياشي في صنعته؛ تدريبا له وتمرينا وتحديا... وكذا محمد الجيلالي السباعي، وحمدون ابن الحاج وأحمد غزال.. وعلى إثر ذلك تتولد تسميات جديدة، تتساوق وشكل القصيدة بصريا نحو التختيم والقصائد المجسدة، وقصيدة الدائرة والقصيدة المربع، والقصيدة الشطرنجية. إن عملية التلاقح التي أجراها الشاعر العربي قديما بين استثمار ما يؤديه الخط العربي من معايير وتكتنزه القصيدة البديعية من تحولات، أفرزت محاولة تحديثية بصرية متقدمة، غالبها التحفظ والكبت اللاواعي بضرورة فتح الجسد الشعري على رحابة التحول المكاني المتعدد؛ نتيجة بقائها وفية لمغالق القياس العروضي.

وتوالت محاولات التملص من رتابة المشهد الواحد عبر توسل ما يمكن الشاعر العربي من إحداث نقلة تحولية، تكف عن الارتهان إلى سلطة الثابت المحدود، وتهشم وثنية الانتساب إلى كل المحددات الحائلة بدون تطور القصيدة العربية، فكانت بداية الشعر الحر، ثم قصيدة النثر، ثم الكتابة المحتشدة بطاقة التحول الغوري؛ حيث يصبح الفراغ منفاها الرحب، يبنيها من حيث ينتقصها، ويحول دون تمامها؛ إنه فراغ عميق، تنتشي فيه مادية الجسد، وتنحل عبره صنافة التحديد والميز؛ فعبر هذه القصيدة الصموت البيضاء تتجلى أعمال التشكيلي إيف كلان وفلسفة الزن، ولائية الفلسفة الدادائية؛ الأمر الذي يعسر مكانة الخوض في البحث عن دلالية العدمي، المندلق من لا نهائية اللامسمى، اللائذ إلى كتابة المحو؛ تأصيلا وبناء. وعلى إثر ذلك يأتي ميلاد قصيدة لا تكف عن التبدل والتحول، عبر الانفتاح على رحابة التشكيل المتأيقن (الأيقوني)المهووس بمادية الكتابة الجسد؛ حيث يكون لليد فعلها المغامر في اختبار المسند الأبيض، واستثمار جمالية الخط العربي مشرقيا كان أو مغاربيا في التشكيل الكاليغرافي خاصة، والبصري عامة، بكل تقوزحاته وتبدلاته، وعليه فإن محاولة الاقتراب الغرافيستيكي والسيميائي من سر خفايا شعرية التشكيل الخطي لمجمل الأبنية الشعرية، تحملنا على تقفّي دور الغرافيات في بعث رسومية المشهد الشعري، ضمن تكوين له حيازة المغايرة لما يسبقه وما يلحقه من تمثيلات بصرية، نتيجة طواعية الخط العربي لفعل القلب الباني؛ الأمر الذي تؤديه جمالية التمثيل الغرافيمي، الذي له من الخصيصات التشكيلية؛ مما يجعله يغاير الفونيمات لكونها أسّ النسق اللساني على ما يثره محمد الماكري.

ومن هنا تدخل الصفحة بوصفها ممثلا/ علامة، إضافة إلى باقي الممثلات الأخرى البانية لأفق القصيدة، ولعل ذلك ما يتأتى ثبته من ضمن ما ذهب إليه أمبرتو إيكو في أن هذا المسند الأبيض/ الصفحة، لم تعد جامدة؛ فأمام العين تبدو وكأنها تمتلك حياة خاصة، على القارئ أن يتراجع عن تعيين نقطة اتكاز فيها، ومن جهة أخرى هي تتطلب قارئا مغايرا، يجيد التيه بين مزالق الدلالات المفتوحة. وتبعا لذلك يصبح من الضروري تناول النص الأيقوني أو التشكيلي أو الأيقوني التشكيلي في سياق التمرس السيميائي، الذي يقتضي مقاربة الأمر بما تفضي إليه آليات الاشتغال السيميائي للعلامة البصرية. وبالمقابل تأتي أشغال هذا المؤتمر للحفر في البعد الأركيولوجي لتشكل الصورة وآليات اشتغالها وسبل تأويلها، عبر التطرق لمجموعة من المحاور، نذكرها على النحو الآتي:

الصورة والنمط المتعالي (الجانب الديني)، والصورة والمتخيل الفني، والتمثيل البصري في المجال الأدبي (الشعر، الروايية...)، والصورة في مجال علم النفس وعلم الاجتماع، والصورة في ميدان التربية والتعليم، والصورة في المجال الاقتصادي (التسويق، الترويج...)، والاشتغال السيميائي للصورة (نماذج تطبيقية)، والتمثيل الأيقوني، والصورة في مجال الأدب الشعبي والثقافة الشعبية. للإشارة، حُدد إرسال المداخلات كاملة في 25 نوفمبر الجاري، في حين سيتم انعقاد أشغال المؤتمر في 8 و9 ديسمبر المقبل.