رواية ”الزنجية” لعائشة بنور

الصحراء.. ما بين سحر طبيعتها ومعاناة أهلها

الصحراء.. ما بين سحر طبيعتها ومعاناة أهلها
  • القراءات: 856
لطيفة داريب لطيفة داريب

قال الأستاذ كرومي هبري لـ"المساء”، إن الروائية عائشة بنور أهدت روايتها الجديدة ”الزنجية” إلى المرأة الأفريقية والآسيوية البائسة والطفولة المشردة، مضيفا أن هذا الإهداء يعكس الكثير من مضمون  فصول الرواية.

ذكر الأستاذ كرومي هبري أن مقدمة رواية ”الزنجية” للكاتبة عائشة بنور، جاءت بقلم الناقد السوداني عز الدين ميرغني؛ وهي تفتح شهية القارئ بشوق لقراءة فصول الرواية الثمانية في عدد 192 صفحة، مشيرا إلى أن الروائية تستهل بداية الفصل الأول، باستنطاق البطلة ”بلانكا” وهي في عمر الخامسة عشر، تسلك مسافة بعيدة من أجل جلب الماء للشرب، والذي كان واحدا من أسباب الأمراض التي تنتاب  وتفتك بصحة سكان مدينة ”آرليت”، التي تنتشر فيها مناجم الذهب، وأضحت موبوءة بالتلوث، وهنا تتذكر ”بلانكا” كيف كانت كثبان الرمل مع صفاء الهواء النقي.

تحكي ”بلانكا” عن المعاناة في الحياة الصحراوية التي يسودها القهر الشديد ويشمل العري والجوع، مستجلية صورة ناصعة عن حالها في هذه المنطقة التي تكاد تنعدم فيها الحياة، وتتحدث بأسى وحزن عن آلام الجوع والأمراض التي أهلكت وأودت بالكثير إلى الموت، حتى صار الموت مع حياتهم مألوفا.

اعتبر كرومي أن الكاتبة تصور بطريقة فنية بارعة، مشاهد من الألم والحزن في صور مريعة ومفزعة، تقشعر لها أبدان الإنسان الذي ينطوي على إحساس فطري يتأثر لأخيه في الآدمية بما يتألم به، حتى الأطفال لم ينجوا من استغلالهم وتوظيفهم في الحروب دون إرادتهم ومراعاة سنهم، رغم ما تمتلكه الصحراء من أرض شاسعة وثروات باطنية كبيرة، ومناجم ذهبية يستفيد منها غيرهم، فمواطنوها يعانون شظف العيش والجوع والعري ومهانة العيش حيثما كانوا وحلوا، وقساوة الحياة ومرارة العيش تجبرهم على الترحال، بحثا عن حياة أفضل تخلصهم من الشقاء في بلدان أخرى، إما خليجية أو غربية، وهم دائما عرضة للعنصرية، والسخرية من لونهم.

تابع أن عائشة تطرقت في روايتها إلى الصحراء، موطن ومرتع الخرافات والتقاليد البدائية التي هي من أسباب معاناة الإنسان  الصحراوي، لاسيما الإناث وما يجبرن عليه بما اقتضت عادات وتقاليد القبيلة من ختان في طفولة الإناث، ويغدو أثر الختان مطبوعا طيلة حياتهن ندوبا لا تندمل، ولا يمحى أثرها عن أجسادهن ونفوسهن التي تئن مرارة وحزنا كلما تذكرن لحظته، ويحرمهن وأزواجهن من حقهن الطبيعي في الاستمتاع بحياتهن الجنسية والزوجية العادية.

في هذا السياق، تتذكر بلانكا بأسى وحزن شديدين، اللحظات المؤلمة عندما تعرضت للختان على يدي العجوز مو، وتربط لحظتها بسماع نعيق البوم الذي أضفى سوداوية وتشاؤما وحزنا على الموقف لم يمح من ذاكرتها، مشيرا إلى أن التشاؤم لدى الأفارقة بالبوم لا يخلو منه قوم، أو عصر أو مصر، ولا زال إلى اليوم في الكثير من الأقوام والأمصار.

تتألم ”بلانكا” من أجل ”فريكي” صديق طفولتها وخاطبها الذي سوف يكون زوجها، وهو يهون عليها الأمر مدركا وقانعا ومتقبلا التقاليد الشعبية لمنطقته، مهدئا من حسرة وروع صديقته وخطيبته ”بلانكا” المتحسرة على حالهما حينما يصبحان زوجين.

تابع كرومي مجددا ”سلطت عائشة الضوء على العادات البدائية التي حرمت على الصحراويين، الحياة الزوجية العادية الناجمة عن ختان الإناث، إضافة إلى المياه الملوثة، الجوع، العري، اعتداءات العصابات المسلحة، الهجرة إلى بلدان يعانون فيها من العنصرية، واستغلالهم في الأعمال الشاقة بأبخس الأثمان، والسخرية منهم.

في المقابل، تناولت الروائية في عملها هذا، الرقص الذي يمثل ثقافة تطبع حياة الصحراويين، وتطرق له ابن خلدون في مقدمته، عند حديثه عن الأقاليم والأجواء التي تعتريها، وذكر الأفارقة بملازمتهم للرقص، لطبيعة حرارة المناخ الحار السائد. قالت الكاتبة الأمريكية الزنجية بيريل بريميني ”الرقص عند الأفريقي هو حياته”.

وقد تحدثت ”بلانكا” مع أمها ”كارينا” عن الهجرة إلى بلد آخر فيه حياة أفضل وفيه خبزا، واستغربت واستعجبت ”كارينا” من أن يكون بلد آخر، وفيه الخبز الذي تشتاق إليه في غير حيزها. وهم في هجرتهم صادفتهم أهوال كثيرة، وجوع، وعطش، وخوف من قطاع الطرق، والعصابات المسلحة، وعانوا الكثير من البرد والمبيت في العراء، والاشمئزاز، والسخرية، ومطاردة ومراقبة الشرطة خوفا من ترحيلهم إلى بلدانهم، حيث هجروا.

في الأخير، أكد كرومي أن رواية ”الزنجية” للروائية الكبيرة عائشة بنور، عبارة عن لوحات فنية إبداعية بروح فنية فطرية، راقية، وبعمق ثقافتها واطلاعها على البيئة، والحياة العامة الإفريقية، مضيفا أن الرواية جاءت في حلة أدبية، سردية قشيبة، وفي حكي متواتر ساحر أخاذ يشد القارئ، وينقل أنفاس الآخرين، ويجعل القارئ ينسلخ من واقعه إلى أجواء الرواية وواقعها المؤثر بأحداثه، ومشاهده الحية المؤثرة.