الشاعرة فوزية لارادي لـ "المساء":

الشعر خالدٌ وإصداري الأخير متنفَّس لوجعي

الشعر خالدٌ وإصداري الأخير متنفَّس لوجعي
  • القراءات: 540
❊ حاورتها: لطيفة داريب ❊ حاورتها: لطيفة داريب

اختيرت الشاعرة فوزية لارادي، مؤخرا، لترؤس مكتب الشعر لولاية العاصمة. وفي هذا السياق اتصلت" المساء" بها، وطرحت عليها مجموعة من الأسئلة حول هذا التنصيب، وعن واقع الشعراء في الجزائر، وعن إصدارها الأخير الذي أهدته إلى زوجها الراحل، فكان هذا الحوار:

❊ تم تنصيبك رئيسة لمكتب الشعر، فرع الجزائر العاصمة، هل شرعت في وضع الخطوط العريضة لبرنامجك؟

❊❊ من خلال منبر "المساء"، أشكر كل من هنأني على هذا المنصب سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى عبر الهاتف. وفي هذا أؤكد أهمية التناوب على مناصب المسؤولية في كل هيئاتنا، وهو ما حدث على مستوى بيت الشعر، فرع العاصمة، الذي كان يترأسه الشاعر عمر عاشور، الذي اقترح اسمي لخلافته على رأس البيت، إيمانا منه بالتغيير. وتمت الموافقة من أعضاء المكتب. وسنعمل جماعيا مثل ما جرت عليه العادة، لتحقيق بعض النقاط على أرض الواقع، حسب الإمكانات المتاحة، بعد أن نلتقي في الاجتماع المقبل، علما أن مكتبنا يضم من الأعضاء عمر عاشور، والمتحدثة، وعاشور فني، ولزهاري لبتر، وقد انضم إلينا حديثا، كمال شرشار، والخيّر شوار.

❊ باعتبارك شاعرة وملحقة ثقافية بمؤسسة فنون وثقافة، كيف تقيّمين وضعية الشعر على مستوى العاصمة؟

❊❊نعم، أنا ملحقة ثقافية بمؤسسة فنون وثقافة منذ عشرين سنة، ومن خلال جريدة "المساء" أيضا، أريد أن أشكر كل الصحفيين بمن فيهم أنتِ، والذين واكبوا نشاطاتنا من خلال تغطياتهم. وبالمقابل، تهتم مؤسسة فنون وثقافة بالشعر. والدليل على ذلك تنظيمها مسابقة أفضل قصيدة شعرية منذ 18 سنة، وإنشاؤها ناديا للشعر، ومساعدتها للشعراء الشباب، علاوة على البرمجة المتواصلة للأمسيات الشعرية. أما عن تجربتي الشخصية فتتمثل في تنظيمي "نشاط الإثنين" و"أربعاء الكلمة"، اللذين لم يتوقفا إلا خلال جائحة كورونا رغم عودتهما حينما كانت الأمور تتحسن تدريجيا. وقد اكتشفنا خلال هذين النشاطين، الكثير من الشعراء. كما مرت على منصتهما الكثير من الأسماء الأدبية الكبيرة، والأخرى الشابة. ونحن نهتم بجلب الأسماء المتواجدة في الساحة، لأنها تمثل قدوة للشباب الذي ليس ملزما بالانقياد لأفكارهم، بل بالتعرف عليها ومناقشتها. كما إن هناك من الأسماء من أينعت في فضاءاتنا، سواء فنانون شكيليون أو شعراء أو كُتاب، خاصة في فضاء بشير منتوري، لهذا أؤكد أهمية وجود مثل هذه الفضاءات المفتوحة التي تستقطب الأدباء والفنانين، وحتى من يملكون حسا راقيا بدون أن يكونوا فنانين. وأضيف أن كل من يحضر نشاطا ثقافيا سيتغير إلى الأفضل لا محالة، من خلال الاحتكاك بالآخرين، لهذا نرحب بكل الفنانين والأدباء ولا نقصي منهم أحدا، حتى من الشباب الذين مايزالون في بداية مسارهم الأدبي والفني، نشجعهم ونوجههم، لأنني متأكدة أنهم لن يحيدوا أبدا عن المسار الصحيح؛ ففي أعماقهم شيء جميل. وكل ما نكتبه اليوم ونقدمه من فن، سيشكل حضارة المستقبل. كما على الوزارة الوصية إيجاد سبل لتسيير الأمور بشكل أفضل، حتى نتفادى الظواهر المشينة في المجتمع، مثل عمليات الانتحار، والهجرة غير الشرعية. وأريد التأكيد على أهمية التضامن وحماية فنانينا وأدبائنا الكبار في حياتهم. وفي هذا السياق، أعزي أنفسنا برحيل الفنانة العظيمة والمجاهدة الفذة فريدة صابونجي.

❊ عرفت تظاهرة "عكاظية الجوابر الوطنية للشعر الشعبي" التي احتضنها مؤخرا البيرين بالجلفة، إقبالا غفيرا من الجمهور، هل تعتبرين ذلك دليلا على العودة القوية للشعر، أم أن الأمر مجرد استثناء؟

❊❊ هناك بعض المناطق في الجزائر مايزال الشعر فيها لسان حال رغم التكنولوجيا الحديثة التي غزت كل العالم، ومع ذلك أعتبر أن ما حدث في البيرين استثنائيا، وهذا لا يعني أن الشعر لم يعد لأنه، في الحقيقة، لم ينقرض ولن يفعل رغم أننا عشنا زمنا كان الشاعر يُعد من كوكب آخر، في حين أن الشعر هو تعبير عن الواقع مهما كان بإضافات جمالية، وأخرى قد تكون خيالية مرتبطة بآمال الشاعر. وبالمقابل، يتواجد بيت الشعر في الكثير من ولايات الجزائر. وتحقق الأمسيات الشعرية إقبالا من الجمهور. ربما في السنوات الماضية لم يكن هناك احتواء للشاعر، وهو أمر لا يمس الجزائر فقطـ؛ فالشاعر في جميع أنحاء العالم، يعاني، لهذا يجب على بيت الشعر ومؤسسات ثقافية أخرى، الاهتمام بالشاعر، ومساعدته ماديا، من خلال فتح نواد للشعر، وتنظيم أمسيات شعرية. ويجب أن يجد الشعراء طرقا لتمرير قصائدهم مثل ما يحدث في الغرب، كوضع فيديوهات شعرية وغيرها.

وفي هذا السياق، أترحم على الروائي الطاهر وطار، الذي فتح لنا أبواب نادي عيسى مسعودي حينما كان مديرا للإذاعة. وهناك كان يلتقي الفنان بالأديب والصحفي، وكان يَنتج حول هذا الاحتكاك ومن خلال حميمية شرب القهوة والشاي، أعمال فنية وأدبية عديدة لم يكن مخططا لوجودها! لهذا أتساءل عن عدم وجود مثل هذه النوادي والمقاهي الأدبية في الجزائر؟! ومع ذلك أثمّن الحركة الثقافية التي عرفت النور في الفترة الأخيرة، فأصبحت المكتبات العمومية تحتضن لقاءات ثقافية، حتى الفضاء الأزرق أعطى فرصا للكثيرين، فكان، بحق، وسيلة للتواصل والمشاركة، لكن في نفس الوقت أبرز، بشكل أكبر، المنشورات التي تلقى أكبر عدد من "اللايكات"، وهو ما أعتبره أمرا سلبيا، لهذا من المهم أن يظل الواقع هو المسيطر وليس العالم الافتراضي.

ومن الضروري أن يوازي الجانب العلمي النشاطات الأدبية والفنية من خلال دراسات نقدية وأبحاث، تمكننا من معرفة واقع الشعر، مثلا، رغم أن لدينا شعراء فرضوا أنفسهم داخل وخارج الوطن.

نعم، على الجميع التحرك، خاصة من يشتغلون في الحقل الثقافي، ولا بد أن يؤمن كلٌّ منا، بأنه يستطيع تغيير الأمور.

❊ أصبح لعائلة لارادي دار نشر "الفيروز"، هل تدعمون الشاعر، خاصة أن نشر الدواوين أصبح صعبا في الجزائر؟

❊❊ لقد وّرطت أختي بفتح هذه الدار، فولعي بالثقافة دفعني إلى إقناعها بأهمية خدمة الثقافة، لكن كل مشروع تجاري يتطلب دفع العديد من المصاريف. ولأن بيع الكتاب ليس بالمشروع المربح لتراجع المقروئية، اضطرت أختي للنشر المشترك مع المؤلفين، وفي مقدمتهم الشعراء. وقبل دعمي لأختي واحتكاكي بها في عملها، كنت ألوم كثيرا الناشرين على تهرّبهم من نشر الدواوين، لكنني الآن أدركت سبب هذا العزوف. وهنا أريد أن أوجه رسالة إلى الأولياء والمدرسة، للاهتمام بالمطالعة، وإنشاء جيل سوي بجمال داخلي واستقرار نفسي، وليس السعي لأن يكون أطفالنا أطباء ومهندسين بدون الاهتمام بما يعج في دواخلهم. وأدعو وزارة الثقافة والفنون أيضا، إلى مساعدة الشعراء، فالشعر يبقى النبض الحقيقي للإنسان، ويشكل رابطة تصلنا بخالقنا، فيمكن كتابة القصة والرواية من خلال تكوين في هذا المجال، لكن كتابة الشعر مختلفة، لأنها لا تعتمد على قواعد وحسب، بل على روح وإحساس وصورة شعرية، لهذا فالشعر خالد لن يفنى.

❊آخر أعمالك المنشورة ديوان شعري "كمال، الماضي والخالد"، أهديته لزوجك الراحل، هل مَثل لك علاجا نفسيا عن فقدان إنسان غال؟

❊❊ نعم، هو حصالة الوجع لفقدان شخص قريب وعزيز. أحمد الله أنني أستطيع أن أعبّر عن هذا الفقدان لأخفف وطأة الوجع الذي لم يعد داميا كما كان في البداية إلا أنه موجود دائما، وإلا كيف يمكن شخصا ما أن يتجاوز هذه المحنة من دون أن يعبّر عنها؟!

كتبت هذا الديوان عن رجل بأتم معنى الكلمة، كان حظي واسعا أن التقيت به، وأكبر أنني اقترنت به، فكان نعم الزوج ونعم الصديق، كان سندي ومشجعي، كان يحضر الندوات التي أنظمها، ويتصل بي هاتفيا حينما أنشط في الخارج للتعبير عن مساندته لي. لم يتغير بعد زواجنا، وكان الحب والاحترام عنوانا لهذا القران، الذي وإن مرت عليه بعض الرياح ـ وهو أمر طبيعي ـ إلا أنه ظل صامدا إلى غاية رحيل الحبيب.

في العادة، كنت دائما ضد الكتب التي تضم كتابات بلغات مختلفة، إلا أن  كتابي جاء على هذه الشاكلة، لأنني حينما كتبت عن وجعي لم أهتم باللغة التي أكتب بها، فضم 18 قصيدة باللغتين العربية والفرنسية وباللهجة الجزائرية، لأن زوجي رحل عام 2018، وكتبت القصيدة 19 نسبة للسنة الأولى التي مرت على وفاته وصادفت نشر الديوان.

❊هل من مشروع كتاب جديد في الأفق؟

❊❊ نعم، عندي مجموعة شعرية بعنوان "بعض البقايا وشيء من روحي"، تضم قصائد من أول ديوان لي "بقايا هرم" الذي نشرته على نفقة جمعية الجاحظية، وبدعم كبير من الطاهر وطار، الذي دفعني إلى إصدار قصائدي في وقت لم أكن أهتم بذلك، وكان خطأ مني، لأن الكتاب هو خالد عكس الإنسان، إضافة إلى ضمه نصوصا جديدة. ولديَّ، أيضا، مجموعة قصصية تضم، بدورها، قصصا كتبتها في السابق، حيث كنت أكتب القصة لنفسي، وقصص أخرى كلها باللغة الفرنسية.