الباحث محمد رندي لـ"المساء":
الشعر التسمسيلتي مرتبط بالأرض والمعتقد
- 121
مريم. ن
تناول الكاتب والباحث محمد رندي خلال مشاركته، مؤخرا، في ملتقى وطني خُصص لدراسة الشعر الشعبي الجزائري، موضوعا ذا خصوصية لغوية وثقافية تحت عنوان "القواسم الفنية المشتركة للقصيدة الشعبية بولاية تيسمسيلت". واستطاع من خلال قراءته لمجموعة من النصوص المتداولة لشعراء المنطقة، أن يقدم رؤية تحليلية جديدة حول الشعر الشعبي التسمسيلتي الذي يُعد أحد أبرز مكوّنات الذاكرة الثقافية في الولاية.
أشار المحاضر خلال اتصال "المساء" به أول أمس، إلى أن جانبا من هذا التدخل خلال فعاليات الجلسات العلمية التي نظمتها مديرية الثقافة والفنون لولاية تيسمسيت على هامش الطبعة 17 من المهرجان الثقافي الوطني للأغنية البدوية والشعر الشعبي، تناول الخصائص الفنية المشتركة للقصيدة الشعبية في منطقة تيسمسيلت.
هذه القصيدة التي وجدها ـ كما صرح ـ في كثير من الأحيان، أكثر فنية، وأكثر إبداعية من نظيرتها الفصيحة لأسباب ربما تتعلق بالعناية التي توليها إياها المؤسسات الثقافية بالولاية.
وأكد المتحدث أن القصيدة الشعبية في تيسمسيلت ليست نتاج تجربة فردية معزولة، بل هي صوت جماعي يتحدث بلسان الأرض، والناس، والجبال، والمعتقدات. فالقصيدة ـ يضيف ـ تشبه "سنابل الأرض حين تمتلئ بعبق التراب، ودفء الريح" . وتبدو كوثيقة وجدانية تعبر عن تفاعلات المجتمع اليومية. وتنقل خلجاته بين الفرح والحزن، وبين اليقين والخذلان، وبين الحب والحنين.
وأشار الباحث أيضا إلى أن الدراسة اعتمدت على نصوص جُمعت كما هي دون انتقاء أو تفضيل، وهو ما يمنحها مصداقية إضافية رغم أن الظروف حالت دون إدراج الشعر النسوي في البحث؛ ما يظل ـ حسبه ـ نقطة، كان يود تجاوزها مستقبلا.
البدايات الدينية سمة مشتركة
أحد أبرز ما وقف عنده الكاتب، الاستهلالُ الديني الذي تكاد لا تخلو منه قصائد شعراء تيسمسيلت. فالشاعر، في نظره، لا يشرع في القول إلا بعد أن يهيّئ النص بذكر الله، أو بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ وكأنّ الشعر عبادة قبل أن يكون فنا.
وبالمناسبة، قدم الأستاذ رندي أمثلة كثيرة؛ منها افتتاحية الشاعر عمر الغالمي:
"لا إله إلا الله… واحد واحد وحداني / محمد رسول الله… هو ممّو لعياني"
وكذلك الشاعر الراحل معبود عبد القادر الذي يقول:
"لا إله إلا الله سبحانه حي حنين / محمد رسول الله يا شفيع المذنبين"
هذه البدايات تمنح القصيدة - كما يؤكد - نغمة روحانية، تجعلها أقرب إلى خطاب المصلحين الشعبيين. وتكشف التماهي بين الشاعر والموروث الديني المتجذر في المنطقة.
القصيدة مرآة المجتمع
قال المتحدث إن القصيدة عند شعراء تيسمسيلت تحمل همَّ الناس اليومي. وتنتقد الظواهر السلبية بجرأة وصدق. واستعرض الأستاذ رندي مقاطع شعرية تصف "الجياحة" ، والجهل، وتراجع القيم الاجتماعية، أبرزها قول الشاعر حجو كمال:
"طبع الجايح غي الهدرة والكانون / هي ذا الدنيا اصحيح مشات قمار"
وقول الشاعر محمد بسام:
"الجاهل ما تفيد فيه امسايسة / واللي فاهم غي بلا تدراس"
هذه المقاطع - كما يقول الباحث - تشير إلى أن الشعر الشعبي مايزال أداة قوية لترسيخ الوعي الجماعي.
وتوقف الأستاذ محمد رندي أيضا، عند حضور جغرافية تيسمسيلت في القصيدة الشعبية، معتبرا أن الطبيعة ليست مجرد خلفية، بل شخصية فاعلة. فجبال الونشريس، على سبيل المثال، تتحول في أشعار قاسم شيخاوي، إلى مخاطب مباشر:
"مريم يا وْرسنيس رسلت لي مكتوب / وانتايا قتلي انساتك ما ترسل"
كما يزاوج الشاعر عبد القادر هني بين جبال تيسمسيلت وجبال البيّض، في صور شعرية مكثفة، يقول فيها:
"عينيك يقربوا البيض لفيالار / طوعتي وْرسنيس لكسّال اديتيه"
هذه العلاقة الحميمة بين الشاعر والمكان يراها رندي أحد أهم مصادر الخصوصية الجمالية للقصيدة التيسمسيلتية.
وتناول الباحث، أيضا، البعد الإيقاعي؛ حيث لاحظ شيوع القافية المنتهية بالألف والراء المعروفة محليا بـ " آر » في عدد كبير من القصائد؛ حتى كادت تتحول إلى سمة صوتية خاصة بالمنطقة. ويرى أن اختيار هذه القافية ربما له علاقة باسم المدينة القديم "فيالار"، الذي ظل حاضرا في الوجدان الشعبي.
ولم يغفل الأستاذ رندي الجانب التاريخي؛ حيث كشف أن بعض النصوص تتعامل بصدق مع ذاكرة الشهداء والثورة، كما في إحدى القصائد التي يقول صاحبها:
"امك يا شهيد تعلى جرّتها / راها من فوق النسا نجمة مرفود"
إلا أن توظيف التاريخ عنده ليس دائما موفقا؛ إذ يقع بعض الشعراء في التكرار المباشر الذي يفقد القصيدة قيمتها الفنية.
واختتم الباحث محمد رندي مداخلته بالتأكيد على أن الشعر الشعبي في تيسمسيلت يقوم على تفاعل ثلاثي الأبعاد: الدين، والريف، والتاريخ.
ومن تفاعل هذه الجذور تتشكل خصوصية شعرية واضحة يمكن أن يطلَق عليها "المدرسة التيسمسيلتية في الشعر الشعبي الجزائري".
وختم المتحدث بالقول إن دراسته ستتواصل في مباحث أخرى، تكشف مزيدا من جوانب البناء الإيقاعي، والمعجمي، والصوري؛ بهدف تقديم صورة شاملة عن هذا التراث الذي يمثّل جزءاً حيا من الهوية الثقافية للمنطقة.