"الإعلام الإلكتروني وأزمة القيم"

الشافعي يستعرض التغيّرات التي مست المجتمع العربي

الشافعي يستعرض التغيّرات التي مست المجتمع العربي
  • القراءات: 693
ن. ج ن. ج

يستعرض الدكتور خاطر الشافعي في كتابه "الإعلام الإلكتروني وأزمة القيم"، التغيّرات التي مسّت المجتمع العربي نتيجة ثورة الإعلام الإلكتروني سواء العربي أو الأجنبي، معتبرا أنّ الإعلام الإلكتروني استطاع تحويل الفضاء الإلكتروني الواسع إلى ساحة من الفوضى الفعلية وليس الافتراضية، كما يحلو للبعض وصف ذلك. فبفضل الإمكانات الهائلة التي يستحوذ عليها وبعد سقوط قيود الجغرافيا وحتى سقوط القيود القانونية التي كانت تقيّد حركة النشر في الماضي قبل ظهور الإعلام الافتراضي والصحف الإلكترونية. يعتبر المؤلّف أنّ ما وصفه بهذه الفوضى الإلكترونية جعلت المتلقي العربي في حيرة من أمره، بسبب تضارب ما يتلقاه من معلومات وأخبار، بعضها قد يكون صادقا وبعضها قد يكون كاذبا أو مضللا، بالإضافة إلى تضارب الأخبار والمعلومات المتدفقة طوال الوقت عن طريق هذه المواقع للمتلقي، ويصف المؤلف هذا التدفق بأنه خطر يعصف بمنظومة الأخلاق والقيم في العالم العربي.

ويحذّر من أنّ الإعلام الإلكتروني بهذه الإمكانات الواسعة والجديدة في الفضاء الإلكتروني، وجّه ضربة قاصمة لما يطلق عليه المؤلف باسم "الإعلام الهادف"، كما حذّر المؤلف في نفس الوقت من أن ما وصفه بالفضاء الهائل للتخزين في فضاء الأنترنت جعل ملايين الأفكار والنصوص الإبداعية المتاحة عبر الأنترنت معرّضة للسرقة والاستيلاء عليها، طالما أنّ الوصول إلى هذه الأفكار والنصوص أصبح مجانيا، وبهذه السهولة التي أصبحت عليه بعد ظهور الأنترنت والانفجار في عدد المواقع الإلكترونية. وبخلاف الجانب الأخلاقي لما يعتبره المؤلف فوضى الإعلام الإلكتروني، فالمؤلف يشير في نفس الوقت إلى ما يصفه بالأخطار الأخلاقية الناتجة عن انتشار مواقع الأنترنت، بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تتزايد الصفحات الإباحية على الأنترنت، ويجد الشاب نفسه في محيط هائل من المحتوى الإباحي الذي يتم تصديره عبر الشبكة الافتراضية متخطيا الحدود الجغرافية للدول، ويتوقف المؤلف -في كتابه الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة، ويقع في نحو 118 صفحة من الحجم المتوسط- عند ما يُطلق عليه العلماء اسم "إدمان الأنترنت"، حيث يدمن الشباب والفتيات على الدخول إلى شبكة الأنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، حيث لم يعد في مقدور الشباب أن يتخيلوا حياتهم اليومية دون الدخول على الأنترنت وبدون شبكات التواصل الاجتماعي، بما يمثله هذا من جانب سلبي على سلوك الشباب والفتيات.

ويشير الدكتور الشافعي إلى أنّ الشباب أصبحوا يقضون معظم يومهم أمام شاشات الحواسب الإلكترونية للتواصل مع أصدقاء افتراضيين، معتبرا أن قضاء الوقت على الأنترنت بهذا الشكل يمثّل إهدارا للوقت وخطرا على أخلاق الشباب والفتيات، ويلفت في نفس الوقت إلى ظاهرة جديدة رافقت ظهور وانتشار مواقع الأنترنت بهذا الشكل، وهي ظاهرة "البلطجة الإلكترونية"، حيث تتّخذ هذه الظاهرة أكثر من شكل وأكثر من أسلوب، منها اقتحام الحياة الشخصية للأفراد ونشر صورهم الخاصة بدون استئذان منهم، بل واستغلالهم بطريقة تخالف القانون، أو نشر صور فاضحة منسوبة لأشخاص بغرض الإساءة إليهم أو ابتزازهم، أو حتى التعرض للأشخاص في الطريق أو وسائل المواصلات بالضرب أو افتعال المشاجرات، ثم نشر صور هذه الأحداث على الأنترنت لجذب مشاهدات وكسب المال منها، أو للابتزاز، أو لأي غرض آخر.

وفي مواقف أخرى، يتعرض المراهقون للتحرش في أنفاق الأقطار أو المناطق المنزوية، وهي جريمة تكررت مرارا في دول مختلفة، خاصة في إنجلترا، ثم نشر صور التحرش أو الاعتداء على الأنترنت في المواقع الإباحية، وهو ما أدى في بعض الحالات إلى انتحار بعض المراهقين نتيجة تعرّضهم لهذا التحرش، ثم نشر ما تعرّضوا له من تحرش فضائحي على الأنترنت. ويلفت المؤلف النظر إلى الدور المنوط بالأسرة للقيام به والتصدي لمثل هذا السلوك ووقف هذه الجرائم وحماية أبنائهم من التعرض للتحرش الإلكتروني، ومن هذا التأكيد على الأبناء بعدم إعطاء أية معلومات شخصية أو معلومات عن العائلة، وتنمية الثقافة الإلكترونية للأسرة عن كيفية استخدام شبكة الأنترنت وتصفح صفحات الشبكة، ومتابعة الأبناء خلال إبحارهم عبر الأنترنت ومعرفة مواقع بحثهم، مع أهمية وضع الكمبيوتر المتصل بخدمة الأنترنت في مكان مرئي في المنزل أو زاوية متسعة فيه، بحيث يكون في مقدور أي شخص من الأسرة رؤية ما يتصفحه الأطفال، وتجنب وضع أجهزة الكمبيوتر المزودة بخدمة الأنترنت في غرف نوم الأطفال، ومن الضروري أيضا معرفة الأسرة معارف وأصدقاء أبنائهم على الأنترنت.

يعتبر المؤلف أن سلوكيات الشباب العربي المرتبطة بإساءة استخدام شبكة الأنترنت هو سلوك مكتسب نتيجة تراكم عدد من العوامل وليس نتيجة انتشار شبكة الأنترنت فقط، فالشباب العربي - كما يقول المؤلف - يفتقد القدوة الحسنة والمثل الأعلى، كما يفتقد الشباب العربي ما يصفه المؤلف بـ "التوازن الفكري السلوكي" في إطار حالة من التخبط وعدم التوازن تعيشها البلدان العربية في الفترة الأخيرة. فالجماهير العربية تعيش في (حالة انبهار) وهذه الحالة تجعل من المواطن العربي أسيرا لكل ما هو مستورد، بل إن حالة التخلف الفكري والثقافي التي تعاني منها الكثير من المجتمعات العربية هي التي جعلت العرب يلهثون بهذا الشكل وراء كل ما هو مستورد من الغرب. وبالعودة إلى موضوع الإعلام الإلكتروني، فإن المؤلف يعتبر أن كل ما سبق هو انعكاس وسبب في نفس الوقت لحالة الإخفاق الكبير الذي يعيشه الإعلام العربي في ظل أوضاع متراكبة من العيوب، أنتجت إعلاما معيبا لا يستطيع التصدي لحالة الغزو الإلكتروني الذي يعصف بالمجتمعات العربية، ويصف المؤلف البضاعة التي يقدمها الغرب لنا عبر ملايين الصفحات الإلكترونية، بأنها فاسدة يقدمها إعلام فاسد، ويقبل عليها جمهور لا يجد بديلا لهذا الإعلام الفاسد.