الفنان الحرفي، الطاهر ملاح

السعي لبعث القرية الأوراسية

السعي لبعث القرية الأوراسية
الفنان الحرفي، الطاهر ملاح
  • 653
ع. بزاعي ع. بزاعي

يستلهم الفنان الطاهر ملاح إبداعاته من محيطه، ويخلق لنفسه فضاءات يتقاطع فيها إبداعه مع التراث، فنان يرتبط بمدينته المعذر (35 كم شمال باتنة) التي ترقد على تاريخ زاخر ينعكس فيما ينجزه هذا الفنان المعروف بالمنطقة باسم ناصر، حيث يملك دكانا صغيرا يعرض منتجاته التي صنعتها أنامله وأخرى لمقتنيات قديمة لأواني فخارية ونحاسية جمعها للزوار الذين يقصدونه.

يعرض الفنان مجسمات مصنوعة من مادة الجبس وقطعا أخرى تمثل الصناعات التقليدية والمنسوجات القديمة، تعكس كلها اهتمام هذا الحرفي بتراث المنطقة  الأصيل والضارب في جذور الحضارة، كما أنه لا يلهث وراء الربح السريع، علما أن هذه الحرفة مصدر قوت عائلته وهو لا يطلب سوى أثمانا رمزية وكل ما يطلبه الإلمام بهذا الفن الراقي الآتي من ذكرى الأجداد وتقديمه للجمهور في أبهى صورة.

دخلت «المساء» لدكانه بمدينة المعذر وكأنها دخلت إلى تاريخ آخر بكل بتفاصيله الجميلة، ليتم اكتشاف قرية تراثية بين جنبات دكانه الصغير الذي لا يزال محافظا على الطقوس القروية.

ينحدر هذا الفنان من منطقة المعذر المعروفة بتاحمامت القديمة التي تزخر بالتنوع البيئي بين الجبلي والفلاحة وغيرها، ولا تزال هذه القرية تحافظ على تراثها وبها معهد للحرف التقليدية.. يقول ناصر إنه يسعى للمحافظة عليها من الضياع، وجعلها دعامة قوية للسياحية بالأوراس الكبير، علما أن مثل هذه المشاريع، على أهميتها ما زالت مبادرات فردية تفتقد لجهة رسمية ترعاها.

توجد بدكان طاهر ملاح أدوات عبارة عن أكثر من 300 قطعة تختزل على الأقل ثلاث حضارات تعاقبت على المنطقة، فضلا عن الحضارة الأمازيغية، وكل ما يميز مظاهر الحياة في البادية الأوراسية بمنطقة الشاوية.

تقابل الداخل إلى هذا الدكان المتواضع، الأدوات المستخدمة للحرث، وكل ما له علاقة بحرفة الحدادة التي تعلمها من جدّه بلخير ملاح ومن آخرين أمثال  مخلوف بن حركات والعلمي شطوح، فضلا عن الأواني الفخارية المصنوعة من الطين ومنتجات النحاس المزخرفة بالنقوش.

في زاوية أخرى، توجد «المطحنة»، وهي آلة قديمة تستخدم لطحن الحبوب، مصنوعة من الحجر الجبلي تتوسط الحصير أو (أجرثيل) كما تسمى بالمنطقة وهو فراش مصنوع من الحلفاء، إضافة للحنبل الذي يصل وزنه إلى 20 كلغ ويمتد على أربعة أمتار.

من ضمن ما يشمله دكانه، مصابيح قديمة (الكانكي)، والموازين القديمة  كالميزان النحاسي و»الربعي» (أزنبيل)، وهناك أيضا من ضمن الموجود (أكلوث)، البردعة، القربة، المزود والسرج، إضافة للآلات الموسيقية التقليدية كالقصبة والبندير وغيرها، كما أنه إختص في جمع الكتب القديمة والمخطوطات. الحديث مع الطاهر شجي والسفر معه إلى الماضي ممتع من خلال دكانه القرية، التي ظل يحلم بها ويدفعه الحنين للتأسف على جيل جديد معزول عن هذا الإرث التراثي.

أشار الطاهر قائلا «الجميل والمفرح أن تجد من يهتم بتراثنا في خضم التسابق لاستيراد أنماط حضارية مستوردة لا لون لها ولا رائحة»، وجدّد مطلبه لتبني هذا المشروع ليكون نواة لقرية تراثية دائمة تحفظ لنا هذا التراث الجميل من الاندثار والضياع».

يركز هذا المبدع في أشغاله التي يعدها بمنزله بعد أن أصبح المحل ضيقا، على توظيف كل ما يخص التراث القديم من رموز وأشكال وتقنيات. ما يتطلب ـ حسبه ـ مجهودا إضافيا، بدافع حماية التراث من الاندثار، وكذا تطوير هذه الحرف التقليدية لتصبح ملائمة أكثر مع ظروف العصرنة وجديد الصناعات التقليدية والنسيجية وديكورات خاصة في النمط المعماري الأمازيغي.

في هذا الصدد، يأمل محدثنا أن تمده السلطات المحلية بيد العون والمساعدة لتجسيد مشاريعه الثقافية لإقامة معارض للمنتجات الحرفية عند مدخل مدينة المعذر، وتخصيص أروقة للعروض بمواصفات عالمية لتمكين الحرفيين من العمل في ظروف ملائمة، قصد الإسهام في بعث وترقية السياحة بالمنطقة. وأضاف أنه ينتظر مبادرات من السلطات المحلية لأخذ انشغاله مأخذ الجد خصوصا وأنه ـ كما أضاف ـ يحمل اقتراحات معقولة تصب في مخططات بعث السياحة بالمنطقة وتثمين كل عمل مبدع.

وعن تقييمه لنشاط الحرفيين بالولاية وتصوراته لمقومات نجاح الحرف اليدوية، أضاف المتحدث صاحب الخبرة التي تفوق الـ 20 سنة أن ثمة عوامل يجب أن تتوفر لبلوغ هذا المسعى من ذلك تثمين الجهود وتعزيز مراكز التكوين، مع تخصيص أماكن للنشاط الحرفي وللعرض.