في إطار الملتقى العربي الخامس للأدب الشعبي

السخرية من الشفهي إلى النص المكتوب

السخرية من الشفهي إلى النص المكتوب
  • القراءات: 1539
لطيفة داريب لطيفة داريب

في إطار الملتقى العربي الخامس للأدب الشعبي، احتضنت المكتبة الوطنية ندوة حول السخرية في النص الشعبي العربي، أدارها الدكتور رابح عثماني، ونشّطها كل من الدكتور محمد العريبي (لبنان) والدكتور مراد القادري (المغرب)، إضافة إلى الأستاذين بلقاسم شايب وسعيدة حمداوي (الجزائر). وبهذه المناسبة، عاد الدكتور محمد العريبي إلى تاريخ السخرية، وبالضبط إلى عهد أفلاطون وسقراط، حينما اتخذا من السخرية إحدى الوسائل لإيصال رسائل مختلفة، مضيفا أن الأدب الساخر عموما والشعبي خصوصا، هو أدب استفزازي ناتج عن تراكم مشاعر الغضب، التي تؤدي إلى تحريك غريزة الانفعال، ومن ثم تتحول إلى سخرية.

وانتقل الدكتور إلى شاعر طالما اتخذ من السخرية وسيلة في شعره، ألا وهو الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم، الذي أكد في إحدى قصائده، أن الإنسان هو الموضوع الأول لأشعاره؛ حيث يتناول في قصائده آلامه ومعاناته ووجعه بسخرية لا متناهية وعمق كبير. وأضاف العريبي أن الشاعر نجم قال في قصيدة من قصائده: "مرّ الكلام زي الحسام، يقطع مكان ما يمر، أما المديح سهل ومريح، يخدع صحيح ويغرّ"، ليشير إلى أن هذا الشاعر الكبير كان يؤمن بمبادئه الراسخة في وجدانه ومكوّنات شخصيته، كما أنه كان يكتب على كفه بحبر من دمه، ولا يتوقع من الحياة أكثر ما هو ممكن؛ فالحياة عنده تتكون من مشاهد متراكمة.

من جهتها، اتخذت الأستاذة سعيدة حمداوي من قصيدة "ما بقاش رجلة" للشاعر الجزائري كمال شرشار، موضوع مداخلتها، وركزت على الوصف التهكمي الذي استعان به هذا الشاعر في أشعاره. وفي هذا السياق، أشارت إلى أن التهكم هو إبراز عيب في شخص ما أو تضخيم صفة من صفاته السلبية بغرض ردعه وإصلاح أمره. أما الشاعر فيستعمل هذا الأسلوب بغية إيصال رسائله معيّنة. وقدّمت الأستاذة عدة أمثلة عن شعراء جزائريين اتخذوا من السخرية موضوعا لأشعارهم؛ مثل لخضر بن خلوف وابن تيبة لخضر وكمال شرشار، هذا الأخير الذي اعتمد على عدة أنواع من الوصف، وهي: الوصف المبالغ فيه والمفارق؛ أي الجمع بين التناقضات والمجسم للصور، وهذا في قالب ساخر.

أما الأستاذ المغربي مراد القادري فقدّم مداخلة بعنوان: "السخرية، من الشفوي إلى الكتابي"، حيث تناول المسيرة الشعرية للشاعر المغربي أحمد مسايح، فقال إن هذا الشاعر استند إلى السخرية لصوغ تجربته منذ ديوانه الأول "الرياح.... التي ستأتي" الصادر سنة 1976، وانتقل من مرحلة السخرية من الغير من خلال استثماره للموروث الشعبي إلى مرحلة السخرية من الذات، وفيها بدأت السخرية تظهر بملمح فكري وفلسفي عميق. وأضاف المتحدث أن الشاعر سايح سخر من السلطة الدينية والسياسية والمال، لينتقل إلى السخرية من ذاته ابتداء من ديوانه "أشكون اطرز الما" الصادر سنة 1994. أما عن آليات السخرية التي اعتمد عليها فهي، حسب المحاضر، ثمانية عند  مسايح: سخرية الأضداد، الموقف، عبر الدّال، التناص الهزلي، المحاكاة، الصورة، السؤال والنبرية.

وأضاف الدكتور أن الشاعر أحمد مسايح استثمر كل الآليات المولدة للسخرية، ووظفها لخدمة رؤيته الشعرية، وقد ساعده وعيه الاجتماعي وحسه السياسي والفكري في التقاط العناصر المساهمة في تعميق السخرية وإسنادها بخلفية ثقافية، جنبته مطب الوقوع في حبال السخرية المجانية أو العابثة، بل كانت سخريته بنّاءة. كما أشار المحاضر إلى أن مسايح يبني عنصر السخرية في نصوصه وفق خلفية معرفية وشعرية، أتاحت لهذا العنصر أن يتجدد عبر آليات، كما أتاحت للفعل الشعري أن ينفذ بعيدا إلى مفارقات الواقع العربي وهشاشة الذات والأبعاد الوجودية للحياة.

بالمقابل، تطرق الأستاذ بلقاسم الشايب، لموضوع "السخرية في النص الشعري الجزائري، ديوان الصالحين نموذجا"، فقال إن الشعر الشعبي الجزائري بقي وفيا لبيئته ولكل الزخم التاريخي والتنوع الثقافي والمرجعيات المختلفة التي تمسه، مضيفا أنه اختار "ديوان الصالحين" في مداخلته؛ لأنه معروف عند كل الجزائريين، كما إنه استعمل كثيرا في المسرحيات والأفلام مثل "كرنفال في دشرة" و«المفتش الطاهر يسجل هدفا" و«وقائع سنين الجمر". وأضاف المتحدث أن ديوان الصالحين وُلد في رحم الزوايا والكتاتيب ولكنه أُجبر على التغير بعد أن وجد نفسه في الأسواق والأفراح، فتنصّل من الضوابط، واتخذ من السخرية رسالة له.