معرض جماعي برواق "باية"

الريشة أداة تعبير أنثوي

الريشة أداة تعبير أنثوي
  • القراءات: 989
مريم . ن مريم . ن

يحتضن رواق "باية" بقصر الثقافة "مفدي زكريا"إلى غاية 26 مارس الجاري، معرضا جماعيا من توقيع فنانين من شتى المدارس والاتجاهات الفنية، اشتركوا في تثمين عيد المرأة والوقوف عند عوالم الأنثى المفعمة بالأسرار والوشوشات الحميمية، مع التفاتة ملحوظة للتراث ويوميات الحياة.

تألق الفنانون كل في مجاله ولوحاته، منهم الفنانة عفاف مفتاحي التي قدمت مجموعة من الأعمال، استثمرت فيها في مجال التراث، وكانت البداية من لوحة "شيخ في الزاوية" التي تتسم بالهدوء والسكينة، حيث يبرز فيها شيخ ناسك يقرأ في المصحف الشريف داخل غرفة بها أثاث تقليدي ورفوف من الكتب، ويقابله من النافذة القمر المضيء الذي يتكامل مع نور السراج داخل الغرفة، وكان للفنانة دور في إبراز الأضواء والظلال المختلفة التي انعكست على الألوان، وأغلبها كان داكنا منها في الأخضر والأزرق وغيرهما.

تذهب الفنانة بعدها صوب حي القصبة العتيق لتقابل "سيدة الحايك" التي يطغى بياض لحافها وعجارها على أغلب اللوحة، لتظهر الخلفية (الزنقة) محتشمة بمعالمها العمرانية ذات اللون الداكن، كأن السيدة القصبوية هي مركز النور في هذا الحي.

غير بعيد وفي اللوحة المقابلة، يظهر الرجل الترقي مرتديا لونه المفضل الأزرق، وكله وقار وحكمة، وتمتد نظرته نحو الآفاق متلمسا مزيدا من الحكمة، وفي الخلفية رسم جدول كأنه مخطوط به مربعات تحوي حروف التيفيناغ، ورسمت هذه الفنانة أيضا الطبيعة الصامتة، مبرزة خيرات الأرض من فواكه تشفي العليل وضعت أمامه شمعة كرمز للحماية.

بدورها، قدمت أمينة بلامين أعمالها بلمسة خاصة تختلف عن غيرها، معبرة عن طموحاتها وأمالها في الارتقاء بهذا الفن الجميل بكل عفوية، وتستمد الفنانة لوحاتها من الانطباعية والتجريدية والسريالية والمنمنمات، وتصور بتميز عالم المرأة التي ظهرت في أكثر من مرة على شكل فراشة طائرة لا تعترف بالحدود والمعقول، كما زينت أغلب أعمالها بالخيوط الذهبية التي توحي بقيمة المرأة، وتستمر الفراشات محلقة في لوحة "الربيع" مع مسحة من الذهب الغالي الذي لا يفارق المرأة.

في لوحة أخرى، تصور عادات وتقاليد امرأة ظاهرة في بورتريه "امرأة" وهي سيدة كلاسيكية تحيط بها الخامسات والمنقوشات والحروف المرصعة، بينما في لوحة "انفعال" يبرز التجريدي في دوامة تتداخل فيها الألوان الداكنة، حتى تصل إلى مستوى إعصار.

تظهر الألوان في لوحة "عديم الزعانف" كأنها بقعة زيت تسيل وتمتد حتى الإطار لكن الخلفية الذهبية تبقى قائمة.

كما تتضمن أعمال الفنان التشكيلي نور الدين حموش دعائم مختلفة، وأدوات تستعمل في الحياة اليومية، ويرسم هذا الفنان إشارات ورموزا بربرية مختلفة، ويعبّر من خلالها عن ولعه بالتراث والمرأة الجزائرية التي هي فنانة عند رسمها على الفخار، ويستعين الفنان أيضا ببعض الأساطير الشعبية التي تنعكس رموزها في اللوحات، مثل الرماح والخامسات والحروز وقطع من الزرابي وغيرها، كما عرض الفنان الألوان والتشاكيل التي يتتبعها الزائر رغما عنه من أعلاها إلى أسفلها.

أما الفنان عبد الحليم كبياش، فقد كان منتصرا للمرأة في شتى مراحل حياتها، على اعتبارها ركيزة المجتمع والحياة، فأطلق ريشته للتعبير عن أحلامها وأفكارها بلغة الحروف والحرير، كما أدان التقصير في واجب الاعتناء بها لتواجه وحدها الشيخوخة والمطر .

الفنانة آمال بن غزالة تحدثت بورودها وأوراقها وبعطور الأقحوان والياسمين، وأعطت هذه المخلوقات الجميلة هيكل امرأة بملامح أنثوية لا تخطئها العين، ورأت أنّه فلا فرق بين هذه المخلوقات العشبية وبين البشر في الرقة والإحساس.

وهناك أيضا تناقضات الطبيعة، من شمس وبرد ومن كواكب، فضّلت أن تحتفظ بذاكرة الأسطورة الشعبية، فعكستها من خلال الإنارة التي تخترق الأكوان، كأن هذا التراث محروس بقدرة إلهية، ولا خوف عليه من الاندثار.

اختارت الفنانة ألوانا ناعمة وذات لغة حالمة، واستحضرت الكائنات البحرية التي تشبه حسناوات السمك تتمايل وتتموج بحركات راقصة وبأضواء عالية الإنارة، كأنها نجمات، كما لم تفوّت الفنانة التفاصيل والدقائق، التي هي لغة كاملة في حدّ ذاتها، تروي حكايات لها علاقة بالمرأة.

حاولت رتيبة آيت شافة إطلاق ريشتها بالأبيض والأسود في تموجات عفوية تبرز التقاطع أو التلاقي أو التموج، وكلها ضربات من وحي الواقع.

فنانون آخرون حضروا، منهم حسين هماز الذي عرض "ميموزا" إيذانا بالربيع وبعيد المرأة 8 مارس، وقدم باقات ورد راقية بأسلوب المدرسة الكلاسيكية، والتزمت شافية فغير بالقصبة كموضوع رئيسي للوحاتها من خلال النساء بالحايك، متجولات بالأزقة، كما قدمت بورتريهات كبيرة لسيدات الجزائر، منها "القبائلية" و«العاصمية" و«التلمسانية" و«العنابية" باللباس التقليدي وبالأسلوب الكلاسيكي.

أبدع الفنان بوبهال في الرسم على الزجاج لمختلف الأزياء التقليدية الجزائرية، وكذا بعض ذكريات الطفولة منها "البالونات". عموما كانت لغة هذا الفنان تصويرية بامتياز، اعتمد فيها على الألوان الطبيعية والتقاليد المستمَدة من التراث.