دكتوراه للباحث اليمني عصام واصل من جامعة الجزائر

الرواية النسوية العربية ومناهضة العنف الذكوري

الرواية النسوية العربية ومناهضة العنف الذكوري
  • القراءات: 3799
ق.ث/ وكالات ق.ث/ وكالات
حصل الباحث والأديب اليمني عصام واصل على درجة الدكتوراه من قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة ”الجزائر 2”، عن أطروحته الأكاديمية التي ناقشها خلال الأيام الماضية، وقدّمها تحت عنوان ”الرواية النسائية العربية قضايا النسوية في نماذج مختارة – تخصص تحليل الخطاب”، وتم مناقشة أطروحة الدكتوراه أمام لجنة علمية ترأستها الدكتورة ربيعة جلطي ومجموعة من الأكاديميين في الجامعات الجزائرية وأشرف على الأطروحة الدكتور عبدالحميد بورايو.
بعد المناقشة قرّرت اللجنة منح الباحث عصام واصل الدكتوراه بدرجة مشرف جدا مع التوصية بطبع البحث، كما أشادت بالجهود التي بذلها الباحث وبأطروحته العلمية المتميّزة التي تناولت قضايا هامة في الرواية النسوية العربية.
ويقول الباحث في تقديمه لأطروحته، ”تعدّ النسوية نظرية تعمد إلى الكشف عن مكوّنات الخطاب الأدبي، بحثا عن العناصر المجسّدة لعلاقة المرأة بالرجل، وكيفية تشكّلها، انطلاقا من فرضية جوهرية انبثقت منها هذه النظرية مفادها أن المرأة تتعرض دائما للعنف والتهميش والتدجين وسلب الهوية، مما يجعلها في لحظة انفعال تعمد إلى التمرد على هذا الواقع، وخلق واقع بديل تسعى إلى استعادة التوازن المفقود نتيجة لفعل النظام الاجتماعي التقليدي الذي يتأسس على منطلقات أبوية مركبة”.
ويضيف ”تؤكّد حيثياتُ هذه النظرية أنّ كل ذلك سينعكس على المتون الإبداعية من خلال تجسيد واقع المرأة المتخيلة وعلاقاتها بالآخر في النص الأدبي بعد استبطان الذوات الكاتبة لها، ومنحها حيزا في إبداعها، فتتجلى شخصية المرأة في الأعمال الروائية حاملا ثقافيا يجسّد معاناة النساء وتكبّدهن عناء ما يمارسه المجتمع ضدهن من تمييز جنوسي ومصادرة للحقوق واضطهاد متعدّد”.
انطلاقا من هذه الفكرة اشتغل، الباحث على أعمال سردية نسوية تتخذ من مناهضة العنف الذكوري والاضطهاد الاجتماعي مادة أساسية لها؛ وهي أعمال منتخبة بعناية من مجموع الرواية النسوية المكتوبة من قبل المرأة العربية؛ لتتواءمَ مع الفكرة المركزية التي تعد قاعدة هذا البحث، وموضوعاته الأساسية. وارتأى أن يكون المتن قيد الدراسة ثمانية أعمال سردية لأربع روائيات من أربعة أقطار عربية ”مشرقية” و«مغاربية” معا بالتساوي؛ لكي تتّسعَ رقعةُ العينات جغرافيا ونوعيا، فكانت زينب حفني من السعودية، هيفاء بيطار من سوريا، فضيلة الفاروق من الجزائر وآمال مختار من تونس، وقد مثّلت الأوليان المشرق العربي، ومثلت الأخريان المغرب العربي، ولا يعني هذا التصنيف أنه ذو منزع عرقي أو إيديولوجي، وإنما هو فكري أدبي صرف بهدف توسيع آفاق العينات السردية ومعرفة الأبعاد الثقافية والإيديولوجية والاجتماعية ودورها في تشكيل القضايا النسوية.
أما الأعمال السردية التي تناولها البحث، فيوضح الباحث ذلك قائلا ”تتمثل الأعمال السردية المنتخبة في ”يوميات مطلقة” و«قبو العباسيين”، لهيفاء بيطار، ”لم أعد أبكي” و«ملامح” لزينب حفني، ”تاء الخجل” و«اكتشاف الشهوة” لفضيلة الفاروق، و«نخب الحياة” و«الكرسي الهزاز” لآمال مختار”، وهي أعمال ترتكز على الأبعاد ”النسوية”، وقضاياها، كتيمة أساسية في تشكيل مادتها، وقد عُدَّ اشتغالها على الأبعاد النسوية وقضاياها حافزا لاتّخاذها مدونة للمقاربة، انطلاقا من تساؤل مركزي هو ”ما القضايا النسوية التي تشتغل عليها المتون الروائية، وتجعل منها أعمالا نسوية، وكيف تشتغل عليها، وما دلالة هذا الاشتغالِ؟!”.
وتفرع هذا التساؤل إلى جملة من الأسئلة من بين أهمها ”كيف تتجلى هذه القضايا في العنونة الروائية، وكذا في الجمل البدئية والختامية، وما دلالة ذلك؟”، ”كيف تمظهرت علاقة الذات بالآخر من وجهة نظر نسوية؟”، ”كيف أسهمت هذه العلاقة في تحديد أبعاد ومسارات وأنماط سلوك الذوات، وكيف كانت مآلاتها؟” و«كيف تحرّكت هذه القضايا والعلاقات في الفضاءات النصية، وكيف أسهمت هذه الفضاءات في تحديد الشكل العام لحرية المرأة؟”.
ويستعرض الباحث منهجه النقدي قائلا ”ولأن النسوية ليست منهجا، وإنّما هي نظرية مركبة تستفيد من مناهج ونظريات شتى، فقد استفدنا من بعض آليات المنهج السيميائي (الباريسي منه على وجه الخصوص)؛ بوصفه منهجا لا يعمد إلى تحديد أبعاد وأشكال المعنى المتمفصل في العمل الإبداعي فحسب، إنما يعمد إلى تحديد وتنظيم مسارات الوصول إليه، وأشكاله وأنماطه عبر متواليات نصية يحددها، ويشتغل عليها النص، في بنيته السطحية التي تفضي إلى بنيته العميقة وما بينهما من آليات ومتواليات اشتغالية تتضافر فيما بينها لتحدد أبعاد المعنى الكلي للنص وأشكاله، كما عمدنا إلى استثمار بعض المقولات النظرية المتعلقة بالنقد الثقافي الذي يسعى إلى ”فحص القوى البيولوجية واللغوية والنفسية والاجتماعية والتاريخية و/أو السياسية التي تشكل الحياة والأدب والنقد”.
ووفقا لما ينشده البحث فقد انقسم إلى مقدمة وتمهيد، وأربعة فصول، وخاتمة، فناقش التمهيد سؤال المصطلح وقضاياه الفكريةَ والفنيةَ والأيديولوجيةَ، موضّحا الفروق بين مصطلحِ ”نسوي” والمصطلحات المجاورة على صعيد الجهاز المفهومي، وعلى صعيد الكتابة وإشكاليات التلقي لكلّ من هذه المصطلحات.
واتخذ الفصل الأول من ”عتبةِ العنونة وقضايا النسوية” مادة له، وقد انقسم إلى مبحثين اثنين، أوّلهما عني باشتغال العنونة الخارجية على القضايا النسوية محددا أبعاد الاشتغال النسوي فيها وما ترتب عليه من آثار دلالية وفنية وأيديولوجية، أسهمت في التأثير على القارئ بإدخاله عوالم تأويلية مركبة، بينما تناول المبحثُ الثاني ”العنونة الداخلية” واشتغالاتها على تلك القضايا الرامية إلى خلخلة الأنساق الاجتماعية والثقافية التي جعلت المرأة هي الأدنى في كل شيء.
بينما اختص الفصل الثاني بمناقشة القضايا النسوية في ”الجمل البدئية والاختتامية”، عني المبحث الأول منه بتوضيح اشتغال تلك القضايا فيها، وكيفية إسهامها في منح القارئ جملة من المفاتيح التأويلية والرؤى الاستباقية، وركّز على كيفية تمحور القضايا النسوية في هذه الجملة البدئية، مبيّنا أسباب اشتغالها ودلالات هذا الاشتغال ودور الرجل في تحديد أنماط سلوك المرأة وتوجيهه، ومآلات هذه القضايا، بينما عني المبحث الثاني بالجمل الختامية التي تعد آخر فضاءات النص المادية، ومبتدأ آفاق تأويلية جديدة يمتلكها القارئ، وقد اهتم بمآلات الذوات النسوية وتحديد قضاياها، وأبعادها الثقافية والاجتماعية.
واشتغل الفصل الثالث على قضية ”علاقة الذات بالآخر”، بوصفها قضية صميمية في النظرية النسوية، ومحورا فنيا هاما في الأعمال قيد الدراسة، وقد انقسم إلى مبحثين اثنين، اهتم الأوّل منهما بتحليل وتأويل علاقة الذات بالأب، بوصفه مصدرا للسلطة الأبوية الضاغطة على الذات النسوية، ومحورا اجتماعيا يؤثر على تحديد هويتها وسلوكها ومشاريعها المستقبلية العامة والخاصة، أما المبحث الثاني فقد ركز على قضية علاقة الذات بالزوج، بوصفه امتدادا للسلطة الأبوية في المصادرة والضغط الاجتماعي، والتأثير النهائي على الذات تنميطا ونمذجة وتدجينا، فكان إلى جوار الأب مصدرا من مصادر التهشم النفسي والفكري والاجتماعي لدى الذات.
في حين تناول الفصل الرابع ”الفضاء السردي” من وجهة نظر نسوية، باعتباره مصدرا لاشتغال القضايا النسوية وحيّزا للكبت والإلغاء والتهميش للنساء من قبل الآخر (فردا ومجتمعا)، وقد انقسم إلى مبحثين أولهما عني بالفضاء الخاص، وعني الثاني بالفضاء العام، ناقش الأول قضايا الانغلاق الاجتماعي، والبحث عن الحرية، بالإضافة إلى التمييز الجنوسي، وتسيد الذكورية، بينما جاء المبحث الثاني من هذا الفصل ليرتكز على تحديد أبعاد النسوية في الفضاء العام متّخذا من فضاءات الشارع والجامعة نماذج لهذا النوع من الفضاءات، وناقش فيه الحرية المشروطة، وكسر نموذج التسلط الذكوري، وخيبة الأمل واشتغال الذاكرة، بالإضافة إلى عنف الذاكرة والملاذ المتخيل.
وفي الخاتمة تم مناقشة أهم النتائج التي توصل إليها البحث، ومنها ”يشتغل الأدب النسوي على قضايا المرأة حصرا، ”وهو جزء لا يتجزأ من الأدب العام، ولا يميّزه عنه سوى مادته التي يشتغل عليها، وهي مادة تقدّم ما يعتمل من صراع أبوي نسوي بين الذوات الفردية والاجتماعية داخل السياقات الإبداعية، بغض النظر عن كاتبها ذكرا كان أم أنثى، وكذا تهتم ”النظرية النسوية” -في إطارها الأدبي- بتحليل المحتوى العام للإبداع الإنساني، بغية الكشف عن القوى المهيمنة على حرية المرأة، والقائمة بقمعها وسلب هويتها، وتقوم بالإجابة عن السؤال ”ما الذي يجعل من الأعمال الأدبية أعمالا نسوية؟” على عكس ”النظرية الشعرية” التي تهتم بالشكل الإبداعي غالبا، وتتغيا الوصول إلى إجابة عن ”ما الذي يجعل من الأدب أدبا؟”، كما تتّخذ ”الرواية النسوية” من ”قضية علاقة الذات بالآخر” إشكالا محوريا تتمركز حوله، وتتخذ منه منطلقا تشتغل عليه من وجهات نظر متعددة، وبأشكال وآليات مختلفة، فمنه تنطلق الأحداث وإليه تؤول.