واسيني الأعرج محذّرا:

الرواية العربية تشهد مرحلةً كمية كبيرة وخطيرة

الرواية العربية تشهد مرحلةً كمية كبيرة وخطيرة
الكاتب الجزائري واسيني الأعرج
  • القراءات: 566
❊ ن.ج ∕ وكالات ❊ ن.ج ∕ وكالات

في شهادته الأدبية التي اختار لها عنوان فساد الرواية انفجار الاتصال واضمحلال الجنس، قال الكاتب الجزائري واسيني الأعرج: السؤال الكبير اليوم يتعلق بوضعية الرواية العربية في ظل وسائل الاتصال الاجتماعي، التي أصبحت تحتل المشهد الثقافي والحياتي، هل يجب أن نقف ضد ذلك كله؟ ألا يضعنا هذا في صف الرجعية المعطلة لمكاسب الثورة التكنولوجية التي تجتاح العالم؟ ألا يحوّلنا موقفنا الرافض إلى مضادين للحداثة في منجزاتها التقنية الجديدة التي تتجاوز معرفتنا؟. وأوضح أن المسألة ليست عربية، ولكنها مشكلة كونية؛ أي ما هو الوضع الاعتباري اليوم للنصوص الأدبية التي لاتزال تسير في خط النظام الكلاسيكي الذي تربَّت عليه منذ القرن التاسع عشر؛ بنيةً وموضوعات ومدارس؟ ألا تبدو كتاباتنا في هذه الموضوعات تقف على حافة الانقراض أمام عصر جارف؟

أعرب واسيني الأعرج عن سعادته بأن ملتقى القاهرة الدولي السابع للإبداع الروائي الرواية في عصر المعلومات، أخذ هذه القضية على عاتقه، وتبنّاها كليا ولم يتهرب منها، من خلال محاولة تأكد من أنها ستكون سجالية وصعبة، لكنها المغامرة المعرفية والوجودية التي يجب خوضها. لم تعد الظاهرة ثانوية ليمكن التغاضي عنها، فقد استفلحت وأصبحت جزءًا من حاضرنا الثقافي والأدبي.

وضع غير مسبوق

وقال في جلسة الشهادات الأدبية: تحتاج الظاهرة الطاغية إلى وقفة فنية تُدرس نقديّا بعد وضعها في سياقاتها التاريخية والفنية. قد يبدو العنوان المقدم استفزازيّا؛ لأن كلمة فساد تحيل إلى شيء نتائجه سلبية كليّا، ويقود إلى نتائج وخيمة؛ فالرواية العربية تعيش وضعًا غير مسبوق، كميّا ونوعيّا، وهنا يجب التفريق بين نوعين من النصوص الروائية؛ نوع يُكتب داخل النظام الروائي المتعارف عليه؛ من خلال جهد إبداعي مميز وكبير، ولا تعمل وسائل الاتصال الحديثة إلا دورًا تقنيّا مرتبطًا بشيوعه السريع بين من يشكِّلون المقروئية الواعية التي يكون أفق انتظارها كبيرًا من ناحية الكتابة؛ لأنها قادمة من تقليد روائي عربي كبير من أقطابه نجيب محفوظ وحنا مينه وعبد الرحمن منيف وغيرهم. ذائقة مصنعة وفق ثقافتها الروائية التي تتبطًّن جهدًا معرفيّا وثقافة روائية محصنة”. وتابع: أما النوع الثاني، وهو مدار حديثنا، فهو أدب الماكينة أو الآلة التي تنتجه. صحيح أن وراءه بشرًا يكتبونه، لكنهم يفعلون وفق إملاءات التكنولوجيا الحديثة، ولا يهم في النهاية إلا الوصول إلى الجمهور، وكأنهم بصدد نشر بوست صغير، وانتظار عدد اللايكات التي تحسس الكاتب، أو المفترض أنه كاتب أصبح عظيمًا، وعلى الساحة الثقافية أن تتفهم ما يقوم به وتعتبره كبيرًا؛ لأن رهانه في عدد القراء. الأمر صحيح، لكنه في الوقت ذاته يحتاج إلى تأمل”.

مادة فيسبوكية

وأوضح الأعرج أن كثيرا من النصوص بدأت كمادة فيسبوكية، لكن سرعان ما تطورت بسبب المقروئية الكبيرة، قبل أن تتحول إلى مسلسل يتابعه القراء. وتصل الغواية إلى سقفها، فينشر النص في كتاب يقتنيه القراء أنفسهم، الذين يُعدون بالآلاف المتبعين، فيصبح النص نجمة المعرض الأدبية، كل الناس يتحدثون عنه.

وأشار إلى أن الجوائز العربية الكبرى مثل جائزة الشيخ زايد وكتارا والبوكر العربية والشيخ راشد، تتلقى آلاف النصوص بدون مبالغة، وكلها تجرب حظها في الفوز بالجائزة، حاملة العلامة الإجناسية التي تؤهلها للقبول في مرحلتها الأولى على الأقل: رواية، وهي ليست كذلك. وقال: يبدو أن وسائط التواصل الاجتماعي جعلت من أمر الكتابة أمرًا شديد السهولة. الكثير من الكتبة (سأفرق بين الكتاب والكتبة) فهموا لعبة التواصل ضمن السوية العامة للمقروئية التي غالبيتها تعودت السهل، ناهيك عن غياب كلي للتحرير. النص مثلما يسلَّم للمطبعة أو للناشر، يتم القذف به إلى ساحة المقروئية؛ وكأن الناشر غير معني؛ فهو في النهاية لا يغامر، فقد أخذ حقه المالي لحظة طباعة الكتاب، وغير مهتم بانتقاله من ناشر على مجرد طابع، وقد يشارك في لعبة الإشهار مطالبًا بجزء من الجائزة في حال فوز الكاتب.  وأوضح صاحب ذاكرة الماء، أن الروايات تُنشر أولاً في الوسائط الاجتماعية كالفيسبوك، فتصبح مرئية، وهذه أيضًا نقطة في غاية الأهمية؛ لأنها تمهّد لشيوع الكتاب، وكأنها مسلسلات تركية أو مكسيكية سابقًا. ويشد الكتاب انتباه القارئ حتى اللحظة الأخيرة، وتكفي اللايكات الكثيرة ليشعر الكاتب بأن نصه أصبح محبوًبا.