معرض صليحة خليفي برواق "عسلة حسين"

الرسم بالكلمات

الرسم بالكلمات
  • القراءات: 1163
لطيفة داريب لطيفة داريب

كلمات تحمل بعدا إنسانيا حلت ضيفة شرف على لوحات أضفت عليها رونقا وألوانا، فازدادت قوة وتمكنت من تبليغ رسالتها بشكل أعمق في معرض الفنانة التشكيلية صليحة خليفي برواق عسلة حسين، الذي تتواصل فعالياته إلى غاية الرابع من أوت المقبل.

هل يوجد أجمل من الحب؟ وهل يمكن أن نعيش من دون حنان؟ وماذا عن كتاب الله الذي يريح النفوس المتعبة؟ كما أننا لا يمكن أن نعيش من دون أمن وسلام، إضافة إلى أن الحكمة تنير لنا الدرب، والفصاحة تمكّننا من التعبير عن خوالجنا بوضوح، في حين أن التسامح يزيل عن فؤادنا هموم الحقد والكره، بينما النجاح أمل كل خطوة نقوم بها.

هي كلمات اختارتها الفنانة التشكيلية صليحة خليفي لكي تضعها في الصدارة من خلال تخصيص لوحة لكل منها، حيث كتبتها بشكل فني. كما قامت بتعريف معناها من خلال قصاصة ورق ألصقتها في أسفل اللوحة، لتؤكد على حبها التزاوج بين الرسم والكتابة، وهو ما يشكل بصمتها في عوالم الفن والثقافة. كما رسمت الفنانة كلمات أخرى مثل الشرف والتفاهم والجيش والالتزام والغضب وغيرها. معروف أن صليحة تستعمل تقنية خاصة تتمثل في المزج بين الحروف العربية واللاتينية، تنتهي بشعلة، رمز إلى كل ما تقاسيه الإنسانية من عنف وجبروت وظلم. وهكذا رسمت الفنانة كلمة الحب على شكل أغصان تنمو في قالب وردي. وكتبت في قصاصة ورق أن الحب كلمة من حرفين ذات معان عديدة، فهو منبع الخير والأماني السعيدة، كما أنه سبيل الأمل والعطاء والحياة المديدة.

أما كلمة حنان فكان لها رصيد من اللون الوردي الحالم رغم أنها كُتبت باللون الأحمر. وجاء في تعريف اللوحة أننا بالحنان لا نشعر بالأرق ولا نحس بالوحدة، وبه ننعم بحياة أحلى من عسل "الشهدة"، ومن دونه تغيب السعادة وتنهار الحياة الرغدة.

واختارت الفنانة اللون الأخضر لتكتب به كلمة "قرآن"، وكتبت عنه: "إذا فهمناه أنارنا، إذا عملنا به أفادنا، وإذا استمسكنا به صاننا"، في حين كتبت كلمة القناعة باللون الوردي في قالب أخضر، وكتبت أنها أكبر كنز وأعظم عز.

وأضفت النور على كلمة الجيش، ووضعت أمامها قصيدة نثرية، كتبتها سنة 1999 جاء في بعضها: "لظلم العدو، لحر الحروب، أنت كالظل الوافر، تصد من يود بطشنا، وتمسك بكل محتال غادر، تحمي حدودنا بشجاعة، مبعدا عنا كل معتد ماكر". وكانت لوحتا "النجاح" و«الأمل" تشبهان بعضهما، فهما مكتوبتان بالأزرق المذهّب، وتحيط بهما أشكال وردية، في حين انتقت الفنانة اللون الأزرق للوحتي "العلم" و«التسامح". أما لوحة "الأم" فغمرتها الفنانة بالألوان الهادئة؛ من برتقالي ووردي وأصفر، وكتبت عنها: "الأم في ابتسامتها حب وحنان، وفي حضنها دفء وأمان". أما لوحة "التفاهم" فشكلت تناسقا بين الألوان والأشكال المرسومة فيها، لتؤكد على تحقيق التفاهم بينهن، وفي هذا كتبت الفنانة: "التفاهم به تُحل أصعب المشكلات، به تُفك أشد المعضلات، به تحقَّق أكبر المعجزات"، في حين جاءت خلفية لوحة "العمل" سوداء لتبرز بشكل أدق، كلمة العمل الذي كتبت عنه صليحة أنه به "يُكتسب العيش، ولولاه لما حصل نظام، هو عبادة بدونه ما استقام فهم ولا إفهام".

في إطار آخر، رسمت الفنانة لوحة "سوس"، ورسمت فيها سنا ممزوجة بكلمة سوس؛ تعبيرا منها عن خطر تسوس الأسنان وما يمكن أن ينجم عنه من أمراض كثيرة. أما لوحة "الغضب "فكتبتها بلون أحمر في خلفية برتقالية، وكتبت أن الغضب هو كالريح التي تهب فجأة، فيختفي نور العقل والصواب، ويجعل صاحبه يصارع في الضباب.

وتهتم الفنانة صليحة خليفي المولودة سنة 1952 ببجاية، بالمواضيع الإنسانية، كما تبرز من خلال أعمالها، مجموعة من القيم يشترك فيها أبناء المعمورة، إضافة إلى تسليطها الضوء على آفات العصر. كما نهلت من الأمثال الشعبية، لتخرج إلى جمهورها بلوحات تمزج بين جمال الرسومات ودقة معاني كلماتها.

للإشارة، بدأت صليحة خليفي حياتها المهنية كأستاذة في اللغة العربية، قبل أن تباشر سنة 1987   

مشوارها في الفنون التشكيلية، لتجوب منذ ذلك العالم لعرض أعمالها الفنية التي تدعو من خلالها - كما قالت - إلى العودة إلى القيم النبيلة. وفي هذا الإطار عرضت أعمالها في فرنسا لاسيما بالمركز الثقافي الجزائري ومعهد العالم العربي وفي مدن فرنسية أخرى. كما شاركت الفنانة في أيام العالم العربي في براغ سنة 2005، وفي بلدان أخرى مثل السعودية وتونس والمركز الثقافي الجزائري بمونريال (كندا). وتحصلت صليحة خليفي خلال مشوارها الفني على عدة جوائز، منها جائزة علي معاشي لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة سنة، 2012 وجوائز شرفية من وزارة التربية الوطنية سنتي 2014 و2015.