ماجد نعمة مدير مجلة «أفريك - آزي» لـ «المساء»:

الربيع العربي سحرٌ انقلب على صاحبه

الربيع العربي سحرٌ انقلب على صاحبه
  • القراءات: 828
 حاورته: مريم. ن  حاورته: مريم. ن

يرى الدكتور ماجد نعمة مدير مجلة «أفريك –آزي»، أنّ المخططات التي حيكت وراء جدران «الربيع العربي» هي في طريقها نحو التلاشي بعدما اصطدمت بالواقع الميداني الذي فرضه الصمود وكذا مواقف الدول الكبرى، وعلى رأسها روسيا والصين. كما ثمّن المتحدث الدور الإيجابي للجزائر التي تفطّنت للمؤامرة، واستندت على جبهتها الداخلية التي كانت واعية بالرهانات الحاصلة.. في هذا الشأن تحدّثت «المساء» مع الضيف على هامش مشاركته في الدورة الواحدة والعشرين للصالون الدولي للكتاب. 

كيف تولّد مخاض الربيع العربي في المنطقة؟ وماذا كانت خلفياته؟

أغلب الدول العربية كانت مستهدفة ليس فقط إبان أحداث الربيع العربي، بل قبلها بسنوات طويلة، حين وضعت المخططات والاستراتيجيات لتحقيقها في الوقت المناسب. وهنا نتساءل لماذا لم تقم ثورات بالبلدان الأكثر ديكتاتورية في العالم العربي والتي أخمدت فيها المظاهرات في أوّل ساعاتها؟ وأيضا لماذا تونس وليبيا وسوريا واليمن ومصر بالذات؟ وبالتالي نستنتج أنّ كلّ هذا كان مدبّرا ومحسوبا.

الدول المستهدَفة هي تلك التي تملك التاريخ والجغرافيا والتي تقاوم بشكل من الأشكال، ترفض أن تقتاد كالأنعام من طرف القوى العظمى، منها مثلا المواقف المترسخة في عدم قطع العلاقات مع إيران وحزب الله وأيضا المواقف بخصوص فلسطين.

بلغ الربيع العربي صورته الفظيعة في سوريا، كيف ترى ذلك؟

البداية كانت المراهنة على سوريا أو كما تسمى «النظام السوري»، للتقليل من شأن الدولة الوطنية، وكان يُنتظر أن تسقط في الأشهر الثلاثة أو الستة الأولى على أكثر تقدير، كما حدث في مصر واليمن وليبيا. لكن كلّ تلك الرهانات فشلت لعدّة أسباب، منها أنّ بسوريا مؤسسة عسكرية وطنية عقائدية صمدت رغم الانشقاقات الفردية فيها ورغم عشرات الآلاف من عناصرها الذين استشهدوا، والذين بلغ عددهم 70 شهيدا. أضف إلى ذلك أنّ سوريا أثبتت أنّها دولة قوية، استطاعت عبر عقود أن تنمّي نفسها اجتماعيا واقتصاديا، فمثلا سوريا هي البلد العربي الوحيد الذي ضمن اكتفاءه الغذائي، بل ويصدّر أيضا منتوجاته الفلاحية، كما ليس له ديون، عكس ما تروّجه الشائعات.

كيف استطاعت سوريا الصمود؟

سوريا لا تنتهج النظام الطائفي؛ إذ أنّ أغلب السنّة مع الرئيس، كما أنّ لسوريا حلفاء أقوياء (أبريكس) وكذا وقوف المقاومة اللبنانية معها، ناهيك عن القاعدة الشعبية، فتحوّل الصراع إلى حرب باردة، علما أنّ تلك الدول الداعمة ليست جمعية خيرية تساعد سوريا هكذا وفقط، بل لأنّ هذا البلد العربي أصبح يحدّد مصير تلك الدول؛ فكلّما صمدت سوريا صمدت معها تلك الدول.

يحارب في سوريا مئات الآلاف من الأجانب، وعند انتهاء الحرب سيعود هؤلاء المرتزقة إلى بلدانهم الأصلية، وسيقومون بنفس ما يقومون به حاليا بسوريا من ترهيب وقتل. ومن بين الأمثلة القريبة ما حصل طيلة العام الماضي بفرنسا من تفجيرات وتهديدات إرهابية، مات خلالها مئات المدنيين وسط باريس، وبالتالي اتّفق الروس مع نظرائهم الأمريكان في قضية «داعش» و«النصرة»، للقضاء على التنظيمين اللذين يهددان العالم كله بعدما فعلا الأفاعيل داخل سوريا.

المؤسف أن بعض الدول العربية تدّعي أنها تحمي العرب والمسلمين، بينما هي من تقتلهم على المباشر باليمن وليبيا وسوريا؛ من خلال دعمها اللامشروط للإرهابيين الأجانب، الذين جاءوا من كل حدب وصوب «ليحرّروا سوريا»، قدموا من 80 دولة موزعة على قارة أوربا وآسيا الوسطى وشمال إفريقيا وغيرها.

ماذا عن الحرب الإعلامية؟ 

يستطيع المرء الكذب مؤقتا، لكن ليس على كلّ الناس وليس طوال الوقت، وإلاّ لدام مفعول قنوات الأخبار العربية الرائدة في هذا المجال، منها «الجزيرة» و«العربية» اللتان تزعزعت بشأنهما الثقة عند كافة العرب. صدّقيني، أحيانا أتردد على بعض الفنادق للإقامة فلا أجد في الغرفة أثرا لهذه القنوات، وهذا ترجمة لمستوى الوعي وقطع لحبال الكذب. وبالمقابل شاع الإعلام الواعي والمضاد الذي كشف حقيقة المؤامرات.

إنّ استعمال وسائل الإعلام في النزاعات القائمة والحروب الحديثة، أصبح السلاح الحاد حاليا، بحيث إنّ الإعلام الذي من المفترض أن يكون السلطة الرابعة في الديمقراطيات، أصبح في يد فئة قليلة تديره في فائدة مصالحها ولا ينقل حقيقة ما يجري على أرض الواقع.

الدور الذي لعبه الإعلام في الأزمة السورية كبير؛ فهي حرب إعلامية خارجية (ليس لها أي قاعدة أخلاقية) تمّ شنّها ضدّ هذه الدولة التي تواجه حملة تضليلية. وبعض وسائل الإعلام نقلت في بداية الأزمة، رواية ثورة ديمقراطية سرعان ما حوّلتها إلى حرب لا تُبقي ولا تذر.

كيف تقيّمون موقف الجزائر الرسمي والشعبي مما حدث؟

موقف راشد ورائد، علما أنّ الرأي العام الجزائري تحفّظ من الربيع العربي وتعامل معه بالكثير من الريبة في بداية الأمر، لكن سرعان ما اتّضحت الأمور أكثر، والجزائري بطبيعته له القدرة على التفريق بين الحق والباطل؛ مما أثمر تأييدا للدولة السورية عموما، وكيف لا والجزائر ذاقت ويلات الإرهاب الذي يقتل المسلمين قبل غيرهم!

هل استطاع الربيع العربي أن يأخذ مكانه في التحوّلات الجارية؟

أدرك الغرب أنه لا يستطيع أن يمرّر السيناريو الخاص بالمنطقة، وتبيّن أنّ الربيع العربي كذبة مفضوحة يراد الخروج من مستنقعها بأقلّ الخسائر الممكنة؛ من ذلك الدول العربية والإسلامية التي تورّطت في التأجيج والتشجيع على الثورات العربية، فحتى هذه الدول أصبحت مهدّدة بالحروب الأهلية وبالأزمات الاقتصادية بعدما سعى بعضها إلى لعب صفقة تخفيض أسعار النفط، فاختلت ميزانياتها ودعت للتقشّف وزحفت نحوها المنظمات الإرهابية، وبالتالي تخلّت نوعا ما عن شعار «ارحل» خاصة بالنسبة للرئيس بشار الأسد.

بالنسبة لليمن مهد العرب فسيكون لحدّ المشروع الإرهابي؛ لأنّ اليمن لم ينتصر فيه أي غاز. ونرى اليوم كيف انقلب السحر على الساحر، وكلّ ذلك هو انتصار للشعوب العربية، وفي مقدّمتها الشعب السوري الصامد ليبقى الحكم والميزان هو العلاقات الدولية القائمة بين الدول على أساس الاحترام والتعاون وعدم التدخل. وأقول إنّه حان الوقت للتخلي عن النصب السياسي والفكري؛ لأنّ أصحابه طُردوا من التاريخ والراهن.