الكاتب أحمد رشرش يقدم جديده لـ"المساء":

"الذاكرة الماكرة" وإبداعات أخرى لا تحدها قيود اللغة

"الذاكرة الماكرة" وإبداعات أخرى لا تحدها قيود اللغة
الكاتب أحمد رشرش تصوير: ياسين. أ
  • القراءات: 1104
مريم. ن  مريم. ن

يبدع الكاتب أحمد رشرش في أعماله، التي يطعمها بتجارب الحياة وبفنون الكتابة والسرد، معتمدا على خطاب خاص، أساسه الإقناع والحجة والجمال، مستعينا أيضا بقوة الإحساس وحكمة الفلسفة وبالصدق أيضا، حيث لا يرى فرقا بين خطابه الداخلي مع نفسه ومع القارئ، فكلاهما، حسبه، إنسان واحد يحمل نفس الهموم والآمال والواقع المعيش.

يوقع هذا الكاتب، ابن مدينة قسنطينة، باسم مستعار "مادراش" (أي لم يعلم يقينا)، بمعنى أن كل طرح وقناعة قابلة للنقاش، وليست مسلمة مفروضة، وهو أيضا دليل على نهم البحث والمعرفة، كما أن هذا الاسم مشتق من الأحرف الأولى من اسمه ولقبه،  وهو يتحدث لـ"المساء"، عن مسيرته الأدبية والمهنية والأكاديمية، كان مقتنعا بخياراته، وهو كما أشار أستاذ الأدب الفرنسي بجامعة البويرة، عمل قبلها في الصحافة وأصدر 5 كتب، أغلبها بباريس. وقال إن أول إصدار له كان بعنوان "ابتسامة للآلام" سنة 2002، عن المطبوعات الجامعية، ثم "رؤيتي" في جزأين سنة 2008، تلتها "آلام مبتسمة" سنة 2009 .

يتقن هذا الكاتب المثقف لعبة الكلمات، ويجعل منها رسائل مخفية تحمل القارئ إلى اكتشاف المزيد من المعاني، رغم أن هذا الأسلوب، كما أوضح، يجعل من ترجمة أعماله أمرا ليس بالهين. وفيما يتعلق بعناوين دواوينه الشعرية "ابتسامة للآلام" و"آلام مبتسمة"، أشار إلى أنها نوع من التحدي والمواجهة التي خاضها في الحياة أمام كل الصعاب، مما جعل كل تلك المواجهات تنتهي بابتسامة، وقال "يبدو ذلك الاختيار ضربا من الفلسفة، غير أنه حالات نفسية مرتبطة بالإنسان، وبما يعانيه من آلام، وغالبا ما يقهرها بالابتسامة لتستمر حياته أو لتبدأ من جديد".يظل أحمد رشرش متعلقا بالأمل، وبالابتسامة التي يراها مضادا للألم ومتنفسا صحيا للمكبوتات، كما أن الابتسامة مرادف للصبر والإيمان الذي يحمله الإنسان، لتجاوز ما يلقاه من حواجز ومشاكل. ويحرص على تجاوز لحظات الألم والانفعال، وحين يأتي الصفاء وتمر السحب وتنجلي، تتبين الرؤية أكثر ويأتي الاتزان، وهنا يأتي دور الكتابة لتعكس حقيقة ما كان برؤية أكثر وضوحا ونضجا وتبصرا، إذ أن لحظات الألم والغضب قد تولد التسرع، وتضارب الرؤى والأفكار والأحكام، كما تولد الصدق مع القارئ، بعيدا عن الشعور الآني الذي مآله الإطفاء والإخماد.

وتحدث أحمد رشرش لـ"المساء"، عن كتابه الجديد "الذاكرة الماكرة" الذي جاء أثناء مرحلة "الكوفيد"، التي تم فيها استعادة ماضي الذكريات، وهنا قال "هناك ذاكرة ماكرة فعلا، لا تعطينا أمورا كثيرة تخزنها، ربما لأسباب نفسية أو اجتماعية أو غيرها، فحينما نطلب منها بعض ذكرياتنا، تراوغ وتمتنع وأحيانا العكس يحدث"، كما أشار المتحدث، إلى أن الإنسان أحيانا يهرب من ماضيه وذكرياته، وفي أحيان أخرى يحدث العكس، وينغلق داخل طوق ذكرياته وينسلخ عن حياته الواقعية، ولا يتطلع لمستقبله، فيصبح حبيس الماضي.يمثل هذا الكتاب نوعا من التحدي بالنسبة للغة، فبعد أن كانت الفرنسية السائدة في مؤلفات رشرش، يأتي هذا الكتاب باللغة العربية الفصحى، ليعتبر هو ذلك، رجوعا إلى رحم أمه، وكانت البداية ـ كما قال ـ من موقف تحد عاشه ذات مرة في إحدى ندواته، حينما طلب منه الحديث (عن مؤلف له بالفرنسية) بالعربية، ليتحدى شخصا بعينه ويبارزه بالنحو والإعراب، ويتفوق عليه أمام الملأ، ليؤكد أن اللغة ليست منفى، كما يراها مالك حداد، ولا هي غنيمة حرب، حسب الراحل كاتب ياسين، بل هي ممارسة وثقافة وقراءة، بعدها غاص رشرش في الدراسة المعمقة للغة والأدب العربي لمدة 18 سنة، لتكون "الذاكرة الماكرة" هي الثمرة الناضجة.

في نفس الساق، قال رشرش، إن من يكتب بالفرنسية مثلا، لا بد له أن يفكر بهذه اللغة، وهذا لا يعني التفريط في الهوية أو الانغماس في الفكر الفرنكفوني، كما أن للغة دور في مخاطبة الآخر. وعن كتابه القادم، فهو يحمل عنوان "مكابح الجنون" ويحمل نفس الأفكار والقيم، التي تبناها، كما يحاول كعادته، أن يتعب نوعا ما القارئ، وهو في ذلك، مقتنع بضرورة رفع القراء لمستوى الكاتب، وليس العكس، فكمشة من القراء ذوو مستوى أحسن من جمهور يقرأ للرداءة. للإشارة، نشط الكاتب رشرش العديد من الندوات عبر الكثير من الولايات، وترافقه زوجته المختصة في الفلسفة لإدارة الحوارات مع الجمهور.