فلسطين في مواجهة الصمت

الدعاية الإسرائيلية أمام الصورة

الدعاية الإسرائيلية أمام الصورة
  • 219
مريم. ن مريم. ن

طرح المشاركون في ندوة "فلسطين في مواجهة الصمت" بفضاء "غسان كنفاني"، أوّل أمس الجمعة، التعتيم الذي طال الجرائم المرتكبة في غزة بعد "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، وصولا إلى انهيار الدعاية الإسرائيلية أمام الصور التي كانت تبثّ على المباشر من فلسطين.

تدخّلت الكاتبة الفلسطينية فيحاء عبد الهادي للحديث عن الرواية الفلسطينية التي أصبحت تطوف العالم لتكسر الصمت، وتساهم في تغيير المواقف، مستعرضة أيضا منع وسائل من دخول غزة لرصد ما يجري، إلاّ أنّ الرواية استطاعت إزالة الغمامة وكسر الصمت أمام التطهير العرقي الممارس بمنهجية بل أيضا استطاعت هذه الرواية سرد ما كان من فظائع منذ الماضي البعيد وليس فقط منذ السابع أكتوبر.

قالت المتدخّلة إنّ الذاكرة استعرضت من خلال الرواية كلّ مظاهر البطش من تقتيل ونهب واستيطان وترحيل، وتبيان أنّ الحرب ليست بين جيشين متكافئين أو ضدّ فصيل معيّن بل هي حرب متواصلة ضدّ شعب أعزل. مشيرة إلى أنّ الوعي ازداد بالرواية الفلسطينية خاصة أمام تعالي أصوات مطالبة بمحاسبة الاحتلال، ومن ذلك كسر الصمت من خلال انعقاد المحكمة الدولية ثم تحرّكات المجتمع الدولي من خلال مثلا الأساطيل البحرية لكسر الحصار عن غزة لكنّها في الحقيقة كسرت الصمت.

تحدّثت السيدة فيحاء أيضا عن محكمة الضمير بلندن مع ريتشرد فورد، معتبرة هذا المدّ الدولي لدعم فلسطين يجد أيضا الوعي بالرواية التي تجتمع فيها الشهادات والحكايات لتوثّق وتبني أرشيف الذاكرة الجماعية، علما أنّ الأرشيف الفلسطيني تمّ نهبه منذ النكبة إلى أن دُمّر مركز الأبحاث الفلسطيني تماما ببيروت؟.

تدخل أيضا الباحث أحمد بن سعادة للحديث عن كيفية تناول إبادة غزة في وسائل الإعلام الغربية منذ 7 أكتوبر 2023، فعبر صفحاتها الأولى كانت تشكّك فيما يجري وتصفه بالمخطّط، وقد قدم الباحث جداول توضيحية منها تلك المتعلّقة بعدد الضحايا الذين كان يزداد يوما بعد يوم، حسب تقارير غربية كان يتم تجاهلها في وسائل الإعلام، وخلال سنة من الحرب تم نشر 14 ألف مقال عن غزة في أكبر وسائل الإعلام التي ركّزت على الضحية الإسرائيلي كفرد له عائلة وحياة خاصة وغيرها من التفاصيل، فيما يُقدَّم الضحايا الفلسطينيون كمجموعة لا هوية لها، كي لا يتم التعاطف معها وهنا تتحقّق مقولة "موت إنسان تراجيديا وموت مليون إنسان حصيلة".

أشار المتدخّل أيضا إلى أنّ وسائل الإعلام الغربية زوّرت الحقائق وساوت بين الخسائر الإسرائيلية والفلسطينية وغطّت على عمليات الإبادة وإخفاء عدد الضحايا، فتقول مثلا إنّ 47 بالمائة من الأطفال الإسرائيليين ضحايا بينما هم يمثّلون 1 بالمائة، فيما تمّ نشر تقرير في صحيفة ألمانية يبرّر قتل الفلسطينيين وتصفهم بأنّهم هم من قتلوا أنفسهم بتجرُّئهم على إسرائيل في 7 أكتوبر.

من جهة أخرى، تم تبرير قتل الصحفيين الفلسطينيين واتّهامهم بأنّهم يقدّمون خطاب "حماس"، لتؤكّد دراسة أمريكية لاحقة أنّ الصحفيين المقتولين في غزة تجاوز عددهم عدد ما قتل في حروب أفغانستان والفيتنام ويوغوسلافيا والحربين العالميتين. وأوضح الباحث أمرا آخر يتعلّق بالمصطلحات فمثلا يوصف الإسرائيليون بالرهائن ويوصف الفلسطينيون بالسجناء وتستعمل أيضا كلمة مؤامرة بدل حرب. لكنه المتحدّث قال إنّ "التيك توك" قلب كلّ الموازين واستطاع تغيير الرأي العام الغربي، إضافة إلى وسائط أخرى يتقنها جيل الشباب الذي لا سلطة لوسائل الإعلام الثقيلة عليه، علما أنّ مبالغ خيالية وإغراءات قُدّمت للتراجع عبر هذه الوسائط والتخلي عن فلسطين.

من جانبه، قال الأستاذ ماجد نعمة من لبنان إنّ الأكيد أنّ إسرائيل وحلفاءها خسروا معركة الصورة وانكشفوا أمام ملايين البشر وبالتالي خسروا معركة الرأي العام العالمي، بعدما كسر السابع أكتوبر السردية الإسرائيلية الغربية الكاذبة التي ظلّت هي السائدة، والتي تقول" لا وجود للشعب الفلسطيني"، وقد تبيّن جليّا أنّ مشروع إسرائيل هو مشروع استعماري غربي ما انفك يموّله، كما ذكر أنّ الدول الكبرى وقفت مع إسرائيل لدعمها في هذه المنطقة، لكن تبقى الصورة، حسب المتدخّل، هي التي كسرت كلّ السرديات لصدقها.

كما تناول الدكتور رودولف الفارح من لبنان علاقته بالراحل الكنفاني الذي كان صديقه وكان على موعد معه يوم اغتياله، حيث كان سيجري معه حوارا بالعاصمة بيروت، خاص بالأدب والسرد لمواجهة المشروع الصهيوني لكن صوته أخمد بالاغتيال. كذلك الحال مع الراحل كمال ناصر الذي كان صديقا للمتحدث ثم أغتيل، مشيرا إلى أنّ كلّ استعمار يصفي المفكّرين والمثقّفين الذين يفضحون مشروعه مستحضرا بالمناسبة اسم لوموبا وبن بركة وغيرهما. ندّد المتدخّل بالصمت المضروب على القضية الفلسطينية وندّد أيضا بالتواطؤ من ذلك خذلان بعض الصحف قائلا "على الجريدة التي تغيّر خطها الافتتاحي أن تغير أيضا اسمها"، ليسهب بعدها في الحديث عن مشواره الإعلامي كرئيس تحرير وكاتب.

تدخّل أيضا الإعلامي آكلي وراد الذي قال إنّه زار فلسطين نهاية التسعينيات أي سنوات بعد اتفاقية أوسلو لكنّه صُدم بالسابع أكتوبر، لذلك فهو دوما متشبث بتسمية المشروع الإسرائيلي بـ"الأبرتيد"، معتبرا أنّ الصمت تم كسره على المستوى الدولي وأكّد أهمية الرأي العام القادر على فرض التغيير وتعزيز الحقيقة خاصة عندما تخرج الصور تباعا على المباشر من غزّة للعالم، وهذه الهبّة العالمية هي التي ستساهم في تحرّر فلسطين تماما كما وقع في جنوب افريقيا حينما وقف العالم ضد الابرتيد وناصر مونديلا .