التجربة التركية ينقصها السرد المحلي
الخصوصية الجزائرية بصمة في الفن التاسع

- 323

استضافت طبعة "فيبدا"، مؤخرا، الباحثة أوياكي أوتسوكو من اليابان، للحديث عن "الشريط المرسوم وتاريخ المجتمعات: تركيا والجزائر" ؛ حيث قدّمت مقارنة بين تجربة هذين البلدين في مجال فن الشريط المرسوم، وما عكسه كلّ بلد من خصوصية تاريخية واجتماعية، تركت بصمتها في إبداع الفنانين، ووعي وذوق الجمهور.
نشط اللقاء الكاتب لزهاري لبتر، الذي قال إنّ الضيفة من جامعة تسوكوبا اليابانية. وهي مترجمة مهتمة بالأدب الجزائري، منه كتابات مولود فرعون. وهي، أيضا، مهتمة بتاريخ فن المانغا. وتحضر فعاليات فيبدا منذ طبعة سنة 2021. وهي في هذا اللقاء تقوم بمقارنة بين تركيا والجزائر في ما يتعلق بهذا الفن بكل خلفياته الجمالية، والتقنية، والاجتماعية، وحتى السياسية.
الشريط المرسوم في تركيا يعتمد على الترجمة
المتحدّثة عاشت لسنوات بإسطنبول، ولها علاقات متينة مع المثقفين في تركيا. وقد استهلت تدخّلها بعرض أهم الصحف والمجلات التركية الصادرة منذ الستينيات؛ حيث تعرَّف الجمهور الحاضر، عبر شاشة العرض العملاقة، على بعض عناوين تلك الإصدارات التي قالت عنها المتدخلة " كانت الأشهر في العالم بفضل مضمونها الناضج، ورسائلها السياسية، وثرائها المعرفي. وتضمنت فن الشريط المرسوم في أحلى صوره التي أبهرت العالم. ووصل سحبها إلى مليون نسخة. ومن ضمن تلك العناوين مثلا "جرجير" (من سنة 1972حتى 1992)، و"بانقين" (2002 إلى 2017)، و"ليمون" من (1985 حتى 1992)، و"أيكوسوس" (من 2007 حتى 2023)، وغيرها من العناوين المعروفة دوليا " .
وحسب المتحدثة، فإنّ نصوص الشريط المرسوم كانت باللغة الإنجليزية. ثم تُرجمت إلى التركية، وكان منها ما هو مأخوذ عن أعمال أوروبية خاصة منها الإيطالية والفرنسية. وازدهرت في العشرية الأخيرة الترجمة. وتحوّل الاهتمام إلى المانغا اليابانية والأمريكية. وهنا أظهرت المتحدّثة صورا فوتوغرافية لمكتبات ضخمة جدّا، خاصة بإسطنبول، مخصّصة لكتب الشريط المرسوم، وكيف تتّسع أروقتها لآلاف العناوين.
وقالت المتحدثة إنّ كتب الشريط المرسوم التركية ذات قصص جماعية وعائلية متأثّرة بالمانغا اليابانية، إلى درجة أنّها كثيرا ما تسرد قصصا يابانية لا علاقة لها بتركيا. ثم أكّدت أنّ السحب مرتفع؛ فمثلا "لوك بلو" حقّق مبيعات بـ300 ألف نسخة، ناهيك على مواقع عبر شبكة الأنترنت. وتُعد دار النشر "جركلي سيلر" أكبر دار للمانغا بتركيا.
ولم يكتف الناشرون بالمانغا، بل راحوا يصدرون مجموعات خاصة بالأدب الياباني مترجما إلى التركية، لتخلص المتحدثة إلى أنّ الإبداع التركي عانى النقص، وأنّ أغلب ما يُعرض مترجم، أو مستورد إلاّ ما تعلّق ببعض الحالات ذكرتها، منها مثلا الرسامة أوزج سمنسي التركية المقيمة بالولايات المتحدة، وهي من مواليد سنة 1975. وتنشر خارج بلدها الأم، زيادة على جهود أخرى ذكرتها المتحدثة. ورغم ذلك قالت: "الأتراك يكتبون ويرسمون الحياة اليابانية وليست التركية، وحتى الأعمال الخيالية كالفضاء مثلا، هو هروب من الحياة التركية" . ثم عرضت صورة مؤرخ تركي (أردال كوكيالسين) تعاملت معه أثناء إقامتها بتركيا، قال لها: "قليل عندنا هذا الفن؛ لأنّنا لا نملك سردا تركيا؛ فتاريخنا مازال مشتتا بين السياسة والثقافة والحداثة. ووعينا بالتاريخ مجزأ، وبالتالي المانغا هروب من الواقع المظلم للمجتمع".
واستعرضت المتحدّثة اليابانية نماذج من فنانات تركيات اهتممن بالتاريخ والتراث التركي في الرسم؛ من ذلك إحياء سيرة الملكة بوديهبا، وهي أوّل من أمضت معاهدة سلام في التاريخ القديم. وقدّمت المحاضرة عبر شاشة العرض، أعمال هذه التركية التي وصفتها بالرائعة.
الفنانون الجزائريون يرسمون مجتمعهم بالتقنيات اليابانية
وصفت المتحدّثة أوياكي الحال في الجزائر بالمغاير تماما عما هو في تركيا. فالشباب من الرسّامين متأثّرون بالمانغا لكنّهم يرسمون مجتمعهم، وتاريخ بلادهم الجزائر، لتستشهد بالمسابقة التي نظّمتها سفارة اليابان في طبعة "فيبدا" السنة الماضية برياض الفتح، وكيف كان التوافد كبيرا، علما أنّها هي من أشرفت عليها، ووقفت على نصوص تحكي أبطالا جزائريين، منهم مثلا ماسينيسا، ولالة فاطمة. ولم يمنع ذلك من استخدام التقنية اليابانية وما فيها من معالم البطل المغوار. وهذا التزاوج قالت إنّه أعجبها.
واستغل مترشّحون آخرون التراث؛ من ذلك اللباس، كما هي الحال مع الباشا، وكذا العمران، وحتى الحلويات (قصة القصبة)، وهكذا تم استحضار التاريخ. كما تناولت الرسومات منها الفائزة، وظواهر أخرى اجتماعية، منها الهجرة.
وبالمناسبة، ثمّنت السيدة أوياكي دور مجلة "غميضة" الجزائرية الرائدة في هذا المجال، وكلّ المشرفات عليها، والتي بها قصص وحكايات جزائرية بأقلام جزائرية رسما ونصوصا.
وأثناء النقاش أبدى المنشط لزهاري لبتر شديد إعجابه بالمكتبات التركية المختصة في الشريط المرسوم، متمنيا أن تكون للجزائر مثل هذه الفضاءات العملاقة، خاصة أن هذا الفن رائج، ومطلوب، وممارَس في الجزائر.