الدكتورة عمارية حاكم في مؤتمر دولي حول التنوع الثقافي:

الحضارة الإسلامية تتعرض لحملة تزييف ونكران جميل

الحضارة الإسلامية تتعرض لحملة تزييف ونكران جميل
الدكتورة عمارية حاكم
  • القراءات: 1422
لطيفة داريب لطيفة داريب

قدّمت الأستاذة الدكتورة عمارية حاكم، أستاذة اللسانيات والتواصل اللغوي ومديرة مخبر الترجمة والتأويل في ظل التواصل متعدد اللغات، مداخلة تحت عنوان: "التنوع الثقافي سبيل إلى التكامل الإنساني والمعرفي"، في المؤتمر الدولي المعنون بـ  "التكامل المعرفي بين العلوم الشرعية والعلوم الانسانية والكونية؛ تحقيقا للعطاء الفكري والنهوض العلمي والشهود الحضاري »، الذي نظمه المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، ورابطة الجامعات الإسلامية، ومعهد ابن سينا للعلوم الإنسانية.

ابتدأت رئيسة مشروع دكتوراه في اللسانيات وتعليمية اللغة العربية ومديرة مشروع بحث "استثمار الدراسات البينية في صناعة المعاجم والأطالس والموسوعات اللغوية، الدكتورة عمارية حاكم، مداخلتها في هذا المؤتمر الدولي والافتراضي، بآيات قرآنية وهي بعد باسم الله الرحمن الرحيم: "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ" (الروم 22)،  و"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"  (الحجرات: 13)، و"ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ " . (النحل: 125)

ومن منطلق هذه الآيات الثلاث قالت الدكتورة إن كل متلقّ يدرك أن الآية الأولى تقر بالتعدد الألسني وبالاختلاف الأجناسي. وتدعو الآية الثانية إلى التواصل بين كل البشر شعوبا وقبائل. أما الآية الثالثة فإنها تحث على الحوار الحضاري الراقي بين مختلف الأمم. وكل هذه الاستنباطات تدل على أن التنوع الثقافي والاختلاف العرقي أو الأجناسي هو قدر محتوم يجب أن نقر به، وأن نستثمره كمكسب ثمين؛ كي ينفتح الإنسان على الآخر المختلف عنه؛ لغة وحدودا جغرافية وعرقا وجنسا (ذكرا أو أنثى) ولونا، حيث إن دعوة الآخر لا تكون إلا باللغة، وهذه اللغة تستلزم الحوار، والحوار يؤكد التواصل الناجح بين الشعوب والقبائل أو بين الحضارات والأمم. وأضافت أن من منطلق النهل من روافد الآخر، تزدهر الحضارة الإنسانية، وترتقي، وينتفي العنف. كما إن معظم العلوم الكونية لم تكن حكرا على حضارة دون أخرى، فمنذ عصر التدوين والأمم تأخذ من بعضها بعضا، والدليل على ذلك علوم الرياضيات والطب والفيزياء التي ينتسب معظمها إلى الحضارة العربية الإسلامية، بالإضافة إلى العلوم الإنسانية؛ كأخذ العرب من الحضارة اليونانية والإغريقية؛ حيث كان هناك تأثير وتأثر عن طريق الترجمة أو التجارة أو الرحلات. ونتيجة عامل التأثير والتأثر انتشرت علوم كثيرة في كل مجالات الحياة رغم أن وسائل الاتصال والتواصل كانت صعبة المنال حينذاك. وتابعت: "في ظل الوسائل التكنولوجية الحديثة تحوّل العالم إلى قرية؛ حيث أصبح بالإمكان الحصول على المعلومة في أقل من ثانية، فسادت الثقافة والمثاقفة، وتنوعت مشارب المتلقين المعاصرين، حيث ربطوا الحاضر بالماضي البعيد، وعلى غرار هذا الربط أصبح التواصل ميّسرا لكل الشعوب والأمم، غير أن هذا التواصل لم يحقق الأمن والسلام، وذلك راجع إلى الطائفية وزرع الفتن المفتعلة من قبل تعصب بعض الأفراد، ولا نقول بعض الدول، والواقع يؤكد أسباب التناحر". وتابعت مجددا: "من أجل ربط أواصر التعاون العلمي للباحثين بين العالمين العربي والأوروبي، لا بد من إدارة التنوع الثقافي عن طريق الندوات العلمية والمؤتمرات الدولية والجمعيات العامة في الجامعات"، مطالبة، في السياق ذاته، كل الوسائل الإعلامية؛ من شاشات التلفاز وقنواته المتنوعة، إلى الجرائد والمجلات، إلى محطات الدعاية والإشهار، وكل وسائل الإعلام والاتصال الحديثة المتاحة، بلعب دورها؛ حتى نتجنب العنف والتعصب للرأي الآخر، أو امتلاك الحق في المعلومة والاحتفاظ بها بدون تسويقها. وأشارت الدكتورة إلى أن الثقافة في أحد مفاهيمها العامة، هي الرؤية الشاملة للحياة؛ إذ تتألف من مجموعة من القيم المستمدة من مصادر ثلاثة، هي: الدين والأدب والفن، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى تتألف من مجموعة أفكار عامة من قبيل الحرية والوطنية والديمقراطية والعدالة والجمال والفضيلة؛ إذ إن لكل من القيم والأفكار تأثيرا بالغا في توجيه السلوك، وفي رسم صورة مثلى لحياة الإنسان. والتعليم والثقافة هما جناحان لتنمية الفرد، وتكوين قدراته وسلوكه وصياغة فكره ووجدانه؛ حيث تنتقل المعرفة من العالم الكبير إلى القاعدة الجماهيرية بلغة سهلة ميسرة للجميع. كما اعتبرت أن من الملامح البارزة للثقافة ارتباطها بالتراث وتحديد موقفها منه، والانفتاح على الثقافات والحضارات الأخرى، ملمح مهم من ملامح الثقافة، وذلك أن الثقافة هي الأصل الذي بنيت عليه الحضارة. ولقد نبه العالم "روسو" إلى قلع الرذائل، وزرع الفضائل فقال: "يتشكل النبات بالزراعة، ويتشكل البشر بالتربية"، وهو المبدأ الأساس الذي سنَّه "شيشرون" وأخذت به الحضارة الغربية، عندما نقلت الثقافة من الإطار المحصور في فلاحة الأرض (الفلسفة هي فلاحة النفس)، إلى الإطار العام في العناية بالآداب والفنون والعلوم بزرعها في العقول والنفوس، وجعلها ذخائر الإنسان في علاقته بذاته وبالعالم الذي ينتمي إليه؛ "ففي كل مرة يركز فيها الإنسان قواه على ذاته، فتلك هي الثقافة، وفي كل مرة يسعى فيها إلى تغيير العالم فتلك هي الحضارة". وأضافت: "إذا كانت الحضارة الإسلامية تتعرض اليوم لحملة ضارية من التزييف ونكران الجميل مما انجر عنه طابع زائف سمي (بالإسلام فوبيا)، فإن التاريخ يشهد بأن المجتمع الإسلامي قد عاش رحلة تناغم وتناسق؛ إيمانا بالتعددية الدينية والتعددية الثقافية. وشاءت حكمته تعالى أن تكون الأحادية هي للذات الإلهية، وما دون ذلك إنما يكون للتنوع والاختلاف، كما ورد في سورة الروم الآية 22. كما دعا إلى التعايش بين الناس بالتعاون والتسامح في الآية 13 / الحجرات، وفي إقراره بالتعددية الدينية والثقافية: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" .(هود: 118)

ولعل المشكل الذي أدى إلى تناحر الأمم والحضارات وإلى عدم استقرار البشرية، هو أن الحضارة المعاصرة ركزت على خارج الإنسان؛ أي إنها جعلته في المركز بدل أن تبلغ مركز ذاته أو باطنه، عكس الحضارات السابقة خاصة النموذج الإغريقي والروماني والإسلامي، تضيف المحاضرة. وتؤكد أن غاية الثقافة هي الإنسان، بينما اهتمت الأمم المعاصرة بالإبداعات التقنية والابتكارات العلمية لتزيين الحضارة في الكمية والنوعية، بينما ظلت التدابير الذاتية بمعزل عن الاهتمام؛ فقد كانت تهتم بالزراعة في العالم الروماني، وبالصناعة في العالم الإغريقي. وكانت التربية هي مجالها البارز في النظريات الأخلاقية عند الرواقيين، ثم انتقل مركز الثقل من العناية بالباطن إلى العناية بالظاهر، فاتخذت الحضارة دلالة التجميل بعيدا عن الجميل. والآن ونظرا لما يحدث في العالم من حروب وصراعات تحاول الأنوار استعادة باطن الإنسان بالاشتغال عليه وإعادة صقله. والعالم يعطي الأولوية للتنمية الثقافية في إطار التنمية؛ باعتبارها أساسا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتشجيعا للإنتاج الفكري، وتيسيرا لسبل ووسائل نشره وعرضه على الجمهور عبر أجهزة التعليم ووسائل الإعلام المختلفة، وبحث إمكانات تطوير التعليم على أساس ثقافي يحقق وحدة المعرفة والارتباط بالبيئة والحياة والتقدم العلمي، وفق سياسة عالمية لتنظيم التعددية الثقافية من أجل تحقيق تكامل إنساني عالمي.