عرف بالعلم والكرم في منطقته

الحاج بوزيد جلول.. من جامع الزيتونة إلى الجهاد بالعلم

الحاج بوزيد جلول.. من جامع الزيتونة إلى الجهاد بالعلم
  • 1078
 أ. عاصم أ. عاصم

هو العلامة والمجاهد جلول بوزيد بن بوزيد بن حسين، المعروف لدى أهل المنطقة بالحاج جلول من مواليد 1920 ببوحلوان ولاية عين الدفلى، من أسرة عريقة، كان أبوه الحاج بوزيد، أحد أعيان المنطقة، عرف بالجود والكرم، وكان بيته مأوى لكلّ عابر سبيل،كما كان هذا البيت قبلة للعلماء وحفظة القرآن الكريم. نشأ الحاج جلول في بيئة دينية متشبعا بالقيم النبيلة والأصيلة في المجتمع الجزائري، استفاد من مجالسة العلماء المتردّدين على بيت الوالد في ذلك الوقت، فنشأ محبا للعلم مجالسا لأهله، ساعيا إلى تحصيله أينما وجده. اكتشف الوالد الحاج بوزيد، بحسه السليم ونظرته البعيدة هذا الميل لدى الابن جلول، فشجّعه أيّما تشجيع على إتّباع هذا السبيل، فألحقه بالمدارس القرآنية والزوايا المنتشرة في منطقة الشلف، فحفظ القرآن الكريم، واستوعب أهم ما تيسر في هذه المدارس من علوم شرعية. 

وتوفي الوالد مبكرا ليترك وراءه الابن جلول وإخوته الأربعة، الذين استمروا على سيرة الأب، وحافظوا على بيت الوالد مزارا لطلبة العلم، وبعد ذلك ملاذا للمجاهدين إبان الثورة المباركة في سنة 1947، وبعد أن وقف الحاج جلول على محدودية العلم الذي كان يقدم في المدارس والزوايا المنتشرة في المنطقة، وذلك بسبب ما كان يمارسه المستعمر من تقييد للحريات وطمس للهوية الوطنية، واستجابة لشغفه اللامحدود للعلم، خطرت بباله فكرة السفر إلى تونس لطلب العلم في إحدى منارات العلم الشامخة في التاريخ الإسلامي، ألا و هو جامع الزيتونة.

وكانت هذه الفكرة عبارة عن مغامرة حقيقية لكن الشغف بالعلم والمعرفة لم تقف في وجهه وقد مثّلت الدراسة في جامع الزيتونة، نقطة تحوّل كبيرة في حياة الحاج جلول، فقد تفتح عقله على الكثير من الحقائق، وأدرك مدى التجهيل والتغريب اللذان مارسهما المستعمر الغاشم على الشعب الجزائري سليل الأمير عبد القادر والمقراني والشيخ بوعمامة فعزم على العودة، وتكريس كلّ ما اكتسبه من علم، في سبيل تبديد حجب الجهل والأمية لدى أبناء الوطن. وأثناء اندلاع ثورة 54 المجيدة كان بيت الحاج بوزيد مأوى لثوار المنطقة، وكان هذا البيت من أوائل البيوت التي دفعت بخيرة أبنائها قرابين للحرية، شهداء الدين والوطن، كالأخ الأكبر للحاج جلول المعروف عند أهل المنطقة بـ«السي أحمد"، وبعد الشكوك التي حامت حول البيت، لدى الجيش الفرنسي، من أنه يمثل معبرا للمجاهدين ومصدر تموين لهم، وذلك بفعل وشاية أحد الخونة، فقد قرّر الجيش الفرنسي قصف البيت بالمدفعية بعد أن هرب كلّ سكان البيت.

 ويستمر الحاج جلول في عمله النضالي بمليانة بالموازاة مع عمله في التدريس ويدخل السجن مرتين، ويتعرض لأبشع أنواع التعذيب،إلى أن احتفل الشعب الجزائري بعيد الاستقلال مباشرة انتقل الحاج جلول إلى "الشعيبة" لمزاولة أوّل مهنة رسمية في الجزائر المستقلة كمعلم في مدرسة ابتدائية ومكوّن للمعلمين الجدد، في زمن كانت تعاني فيه البلاد من أزمة حادة في مؤطري القطاع، و بعد سنة، من ذلك الوقت ينتقل إلى مدينة حجوط التي زاول فيها نفس المهنة، حتى أواخر الستينيات، ثم انتقل سنة 1969 إلى مدينة العفرون، وزاول التعليم في مدارسها إلى غاية 1980 حيث أحيل على التقاعد. غير أنّ الحاج جلول لم يكل من بذل علمه للأجيال إذ سرعان ما تعاقد مع نظارة الشؤون الدينية بتيبازة ليوظف إماما بمسجد بورقيقة و يكرس« كل وقته للأعمال والمشاريع الخيرية، وتوفي الحاج جلول في ليلة السابع من شهر مارس من سنة 1995 و هو في أحضان عائلته رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه.