الأستاذة بوحناش تحاضر بسكيكدة:

الجزائر تعرضت إلى إعادة هندسة كولونيالية تدميرية

الجزائر تعرضت إلى إعادة هندسة كولونيالية تدميرية
الأستاذة نورة بوحناش
  • القراءات: 767
بوجمعة ذيب بوجمعة ذيب

اعتبرت الأستاذة نورة بوحناش، من قسم الفلسفة بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة قسنطينة "2"، خلال مداخلتها أول أمس، بالمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية في سكيكدة، والموسومة بـ"ما بعد الكولونيالية ـ المفهوم والمسارات التاريخية" في العدد الثاني من برنامج "لقاء المعرفة"، أن الجزائر تشكل عينة عن واقع الحال الكولونيالي وارتداداته ما بعد الكولونيالية في ظرف مُعولم، أعاد فتح مسارات جديدة للكولونيالية، يمكن اصطلاحها بما بعد الكولونيالية، على اعتبار أن الجزائر والتاريخ والثقافة، تعرضت إلى إعادة هندسة كولونيالية تدميرية، قضت على البنية التأسيسية للمجتمع الجزائري، هوية وأفقا استشرافيا، تجسد في الانهيارات المتتالية للظرف الجزائري الراهن وغموض خياراته المستقبلية.

 

قالت المحاضرة أمام جمهور كبير من المثقفين وطلبة الجامعة والمهتمين بالشأن الثقافي، إنه في سياق تفريغ الأرض من الإنسان، اعتمدت الجمهورية الفرنسية الكولونيالية، سياسة الإبادة الجماعية غداة 1830، ومن ثم تمتين النظام الحلولي للثقافة الغربية الحديثة، التي من بين أهدافها، اقتلاع ثقافة الأنا وإحلال مكانها الثقافة الغربية مكان كل الثقافات الإنسانية، من خلال البرنامج الكوني للحداثة، التي تتجلى معالمها عبر الرجل الأبيض المتفوق بعرقه وثقافته، وبطبيعته العقلية ومظهره الأنثروبولوجي والحضاري، مستدلة بتعبير فرانز فانون في تراتبية الأفضل والمفضول، والأنا المركزي والآخر الهامشي الأصلاني بتعبير إدوارد سعيد.

وأوضحت الدكتورة بوحناش، أن هناك أمورا كثيرة بينت اليوم الغاية من مشروع الحداثة وما بعدها، معتبرة أن الكولونيالية ظاهرة تاريخية لصيقة بالحداثة، وأيضا ظاهرة فريدة من نوعها في تاريخ الإنسانية، فإذا كان تاريخ البشرية، حسبها، قد شهد حالات الغزو الذي قامت به الإمبراطوريات، فإن الغزو الكولونيالي الحديث كانت له خصائص مميزة تعرب عن طابعه الحلولي، الإقصائي والاستحواذي، وأشارت في السياق، إلى أن المتغيرات الاجتماعية التي يمر بها المجتمع الجزائري عبر تحولات الكولونيالية وبعدها، ثم النيوكولونيالية المتساوقة مع الظرف المعولم والرأسمالية المتوحشة، قد حينت الفوضى في الهوية وفي التاريخ وفي الثقافة.

وترى الدكتورة أنه في المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، تم توحيد القانون الدولي باسم المنظمة الأممية، تمكينا لهيمنة الخمسة الكبار على المشهد الإنساني عامة، والسياسي والاقتصادي والثقافي والتربوي، متسائلة عن اعتبار تلك الهيمنة بمثابة ضرب من الكولونيالية الجديدة، التي تعيد رسكلة مناطق العالم التي خرجت من فلول الكولون عبر ثورات القرن العشرين، ومنها الثورة الجزائرية.

وقالت الدكتورة، إنه عند الدراسة الفاحصة للنتائج التاريخية للظرف الكولونيالي، يتضح أن الكولونيالية هي كناية عن عملية ترادف إبادة كونية، من منطلق المفهوم الكولونيالي، أن أرض الحلول والاستيلاء والاستحواذ هي أرض بلا شعب، ومن هذا المنطلق انطلقت عمليات الإبادة التي قامت بها فرنسا الكولونيالية في الجزائر، إلى جانب قيامها باسترقاق الباقي من الشعب الجزائري عبر صيغ قانونية تحقيرية أخصها قانون الأنديجانة.

في معرض مداخلتها، اعتبرت المحاضرة أنه لن يكون التحرر من السيطرة الكولونيالية على أرض الواقع مجديا، إذا ما بقي منطق الاستعلاء الغربي في المنظور الثقافي فاعلا. وترى من خلال التحليل النقدي لدراسات ما بعد الكولونيالية، أن ذلك التحليل يعد محيطا مرجعيا ومنهجيا، يؤدي بالضرورة مهمة تحليل وفهم الظرف ما بعد الكولونيالي وتابعة النيوكولونيالية، الذي بدا واضحا في نهاية القرن الماضي، وبداية هذا القرن، بعد نهاية الحرب الباردة، حيث تمكن النظام الجديد من نسج مفاهيم تؤلف بوتقة جديدة للهيمنة على العالم، مستشهدة بصراع الحضارات والإرهاب بوصفه مفهوما جيوسياسيا، يشرعن للتدخل العسكري في مناطق العالم. وتطرقت الدكتورة خلال مداخلتها، التي تبعتها مناقشات مثمرة من قبل الحضور حول الموضوع، إلى العديد من النظريات التي حاولت من خلالها، إبراز خطر ما بعد الكولونيالية، التي تسعى على تركيع الشعوب التي خضعت للكولونيالية المقيتة.