”الجدل الروحي والدنيوي في الفكر الإسلامي المعاصر” بالمكتبة الوطنية

التوجه إلى مقاصد الدين والمطالبة بتجديد الفكر الإسلامي

التوجه إلى مقاصد الدين والمطالبة بتجديد الفكر الإسلامي
  • القراءات: 1073
لطيفة داريب لطيفة داريب
نظّمت الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية، أولى محاضراتها بمناسبة الشهر الفضيل أول أمس بقاعة ”الأخضر السائحي” (المكتبة الوطنية)، نشّطها رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الدكتور عبد الرزاق قسوم، الدكتور محمد نور الدين جباب والدكتور محمد بوحجام، وتمحورت حول ”جدل الروحي والدنيوي في الفكر الإسلامي المعاصر”.
في هذا السياق، دعا الدكتور عبد القادر قسوم إلى الفهم الصحيح لمقاصد العبادات ليقدّم مثالا عن الصوم، فقال بأنّه إثبات للوجود الإنساني بأتم معنى للكلمة، حيث أن المسلم يتحكم في غرائزه ويترقى على المخلوقات الأخرى، كما أن الصوم فرصة للتأمّل في الهدف من الحياة وفيما قدم المسلم للإنسانية، فهو بذلك ”ذهاب البطنة وعودة إلى الفطنة”.
وأضاف أنّ الصوم هو تحقيق للوحدة، حيث أنّ الناس يصومون في زمن واحد ويجتمعون في أمكنة واحدة، حتى أنّ الزعيم الهندي غاندي اتّخذ من الصوم وسيلة لتوحيد بلده رغم أنّه غير مسلم، بالتالي اعتبر الصوم أداة من أدوات التضامن الاجتماعي، ليشير إلى أنّ جميع العبادات تحمل جانبا اجتماعيا علينا الاستثمار فيه.
في المقابل، أكّد رئيس جمعية العلماء المسلمين أنّ الفكر الإسلامي متفائل أمام الكينونة الإنسانية من حيث أنّ للمسلم حياة أخرى بعد موته، معتبرا أنّ الإسلام دين التفتّح على كلّ مجالات الحياة ويدفع بالإنسان إلى أن يكون نشيطا ويعيش حياته الدنيوية متضامنا مع أخيه وكذا مع الذين يختلفون معه في المعتقد من باب الأدب الإنساني، ليطالب بضرورة أن يأخذ المسلم بمقاصد الإسلام، أي بكل النوايا والأبعاد والمقاصد التي يجب على الفكر الإسلامي تعاطيها.
من جهته، تحدّث محمد نور الدين جباب (أستاذ الفكر العربي الإسلامي بجامعة الجزائر) عن الجدل الديني الدنيوي، فقال بأنّ هذه الظاهرة عرفتها الديانة المسيحية قبل أن تعيشها الديانة الإسلامية، مضيفا أنّ المسيحية نشأت داخل الإمبراطورية الرومانية التي رفضتها في بادئ الأمر، إلاّ أنّها قبلت بها حينما أدركت أنّ باستطاعتها استعمالها حسب مصالحها، وبعد سقوطها أصبحت الكنيسة هي الدولة وتحالفت مع النظام الإقطاعي واتّخذت من كتاب القديس أوغسطين ”مدينة الآلهة” دستورا لها.
وأشار المتدخّل إلى أنّ كتاب القديس أوغسطين ينص على أنّ الإنسان كي يصل إلى الخلاص يجب عليه أن يتحمّل المعاناة والمأساة، وهكذا تحوّل هذا الكتاب إلى إيديولوجية تتبعها الكنسية والنظام الإقطاعي إلى أن ظهر القطاع الرأسمالي الذي بحث عن فكر يناسب مصالحه ووجده في لوثر الذي قال ”من لا يعمل لا يأكل” ويعني بذلك النظام الإقطاعي.
وأضاف جباب أنّه حدث بعد ذلك ترتيب للعلاقة بين ما هو ديني وما هو دنيوي، حيث أنّ الدين تحوّل إلى مسألة فردية، مشيرا إلى أنّ العالم الغربي اليوم يعيش تطرّفا من نوع خاص، حيث تسعى العلمانية التي هي في الأصل الفصل بين الدين والدولة إلى تغييب الدين عن الدنيا نهائيا.
وتنقل جباب إلى الحديث عن علاقة الدين بالدنيا في العالم الإسلامي، فقال بأنّ الجدل بين هذين العاملين بدأ منذ ظهور الدولة في المدينة ومعها بروز التجارة والتبادل، حيث احتاج المسلم إلى قوانين يتبعها، فكان ذلك بإنتاج الفكر الإسلامي أو ما يسمى بالشريعة، مضيفا أنّ هذه الأخيرة جاءت لخدمة الإنسان وليست لمصلحة الدين، مطالبا في السياق نفسه بضرورة تجديد الفكر الإسلامي بما يتطلّبه العصر كي يصبح الإسلام صالحا لكلّ زمان ومكان، وهو ما رآه صعب المنال في زمن يحاول فيه الكثيرون ”فصل الواقع حسب قد النص” وأمام غياب قوى اجتماعية تنويرية تبحث عن مصالحها.
أمّا الدكتور محمد بوحجام (أستاذ بجامعة باتنة) فاستشهد في مداخلته، بمقولات لمفكّر ليبي إباضي، جاء في بعضها أنّ المفكر هو من يصنع المجتمع وتحقيق الوحدة الإسلامية لا تتحقّق بالقول والقانون والحجة، بل تتم عبر ثلاث وهي المعرفة، التعارف والاعتراف، فالمعرفة تدفع بالمسلم إلى فهم ما يتمسّك به المسلم الآخر والتعارف هو الاشتراك في السلوكات الجماعية للعبادات والاعتراف في تقبل مسلك الآخر، ليلقي على الحضور قصيدة كتبها عن أحداث غرداية يطالب فيها بضرورة الوحدة والأخوة.