مسرحية «الغائب» لمولاي ملياني

التمرد على المبدأ

التمرد على المبدأ
  • القراءات: 551
دليلة مالك دليلة مالك

يقترح مسرح صراط بومدين الجهوي بولاية سعيدة، عملا مسرحيا عنوانه «الغائب» للمخرج مولاي ملياني محمد مراد، عُرض سهرة الأربعاء المنصرم، بالمسرح الوطني الجزائري محي الدين بشطارزي، موضوعه يقترب من حساسية العلاقات الجزائرية - الفرنسية ليس من خلال حكومتين، بل عبر أسرة ثورية شاء ابنها أن يشتغل في مؤسسة فرنسية ومزوج من فرنسية، واختار الغربة مقاما له فطرده والده المجاهد من البيت، غضبا ورفضا لاختياراته، ويحيل المخرج ضمنيا إلى مشكل الميراث الذي أضحى يشتت الأسر.

يعد النص أول تجربة في الكتابة المسرحية للروائي عبد الوهاب عيساوي، حمل طرحا واقعيا تعرفه العديد من الأسر الجزائرية، كتب بسلاسة مرهفة، وتسلسل منطقي كسب به رهان التشويق والمتعة، وحتى وإن كان باللغة العربية الفصحى صاغها  كاتب النص بمفردات بسيطة وجمل محددة، دون اللجوء إلى اللغو والحشو كما يحدث في بعض المسرحيات الجزائرية التي تتبنى اللغة الفصحى لسانا لها.

ويبدو أن عيساوي وملياني شكلا ثنائيا مسرحيا متكاملا، ذلك أن المخرج اعتمد على تجسيد الأدواء في مناطق مختلفة على الخشبة، تمت دراستها بعناية وفق ما تشير إليه بوصلة النص، وبإيعاز من السينوغرافي علي بلملياني الذي قدم ديكورا خدوما للنص والإخراج معا، لاسيما وأن الأدوات السينوغرافية المستعملة متحركة تعكس بحق تطور الأحداث، وكل أداة كان لها معناها الرمزي، على غرار صورة المجاهد، والساعة الكبيرة والأرجوحة وغيرها.

وقدم الممثلون أداءَ مقبولا إلى حد بعيد، يشرف مسرح سعيدة، باستثناء الممثلة مليكة يوسف التي أدت دور الأم، فقد غلب عليها التجسيد الدرامي التلفزيوني الذي خاضت فيه تجارب عديدة، وقدم الممثل مغربي نبيل طاهر، دورا متميزا عبر شخصية «مراد» الرجل المغترب الذي تمرد على سطوة أبيه ومبادئه، وكسر كبريائه كمجاهد حارب المحتل الفرنسي واستشهد أخاه خلال الثورة، إذ غادر بلاده باتجاه فرنسا وتزوج من فرنسية.

توفي المجاهد وبعد أيام من ذلك، يعود «مراد» إلى بيت العائلة الكبير، يستقبله ابن أخته «علاء» (فتحي مباركي) الذي يبدي رغبته في الهجرة كما فعل خاله ثم تستقبله أمه بسعادة، بينما هما كذلك تتجلى رغبة مراد في بيع البيت تقسيم الحصص بالتساوي، غير أن أخته «سعاد» (شيخ أسماء) ترفض، وأخوها «نبيل» (جباري محمد الخليل) كذلك، وأمه تحاول أن تتجاوز الموضوع بأي شكل من الأشكال، وكأنها تخفي أمرا، لكن سرعان ما انكشفت الحقيقة.

والحقيقة أن «مراد» هو ابن عمهم الشهيد، ورباه عمه على أساس أنه هو الوالد، وفي ذروة صراع محتدم تسرد الأم القصة، وتظهر المواجهة جلية بين مراد ونبيل في بيع البيت، وعبر مراد عن تعبه من التحكم في مصائر الآخرين، بينما يردي نبيل أن والده هو من رباهم فكيف الخروج عن مبادئه، إ الخوف من بيع البيت هو بيع للذاكرة التي جمعت أفرادها منذ زمن بعيد، وينتهي العرض بعودة مراد إلى فرنسا. وفي مشهد قبل الأخير يصور المخرج هجرة الحفيد علاء تيمنا بخاله، أمام حسرة أمه سعاد وجدته، وهو ما يعكس يأس الشباب من الوضع الراهن، وأن لا مجال للتردد أمام فكرة العيش في الخارج والعمل هناك على أمل حياة أفضل وأكرم.