ندوة "المرأة الجزائرية بين حقوق المواطنة وثقافة الحريم"

التشتت والوعي الزائف حرم شقائق الرجال الحرية

التشتت والوعي الزائف حرم شقائق الرجال الحرية
  • القراءات: 1058
❊مريم . ن ❊مريم . ن

نظّمت الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية، أمس، بالمكتبة الوطنية بالحامة ندوة فكرية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة عنوانها "المرأة الجزائرية بين حقوق المواطنة وثقافة الحريم" نشطتها مجموعة من الباحثات، طرحن فيها مفهوم الحرية المرتبط بالمواطنة، ومفهوم الحريم المكرس للعادات والتقاليد، علما أنه أحيانا يحدث التداخل بينهما بسبب الإيديولوجيا أو تدخل السلطة السياسية أو لاعتبارات ذاتية، فتضيع قيمة كل جانب وتضيع معها حقوق المرأة.

تحدثت الدكتورة بركاهم فرحاتي، وهي باحثة في المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ (مديرة متحف دينيه سابقا) عن نساء بوسعادة ودورهن الاجتماعي والتاريخي البارز، حيث أنهن تجاوزن محيطهن وبلغت مآثرهن الآفاق، متوقفة عند بعضهن منهن "فاطمة زوجة الرومي"، التي أعجب بها رسام ومستشرق فرنسي يدعى إدوارد زار بوسعادة وفتن بجمالها وكانت في الـ14 سنة من العمر، علما أن البوسعاديات ومنهن بنات أولاد إبراهيم معروفات بالحسن، فتزوجها في سنوات الأربعينيات واحتفظ كلاهما بدينه ورزقت منه بطفلين، وكانت تعمل جاهدة كي يدخل الإسلام حتى وهو على فراش الموت لكنه بقي على ملته، ونصحها شيوخ المنطقة ألا تضغط عليه وتجبره، ليدفن بعدها بالمقبرة المسيحية ببوسعادة. لقد أحب هذا الفنان فاطمة فرسمها في لوحاته التي هي الآن موجودة بالمتحف الوطني للفنون الجميلة، كما روّجت هذه السيدة لثقافتها ولباسها المحلي ولتراث بوسعادة.

نساء أخريات من هذه المنطقة التي كانت قبلة المفكرين والفنانين ومنهن لالة زينب في القرن الـ19 التي حققت الاستثناء وأدارت زاوية الهامل وبرزت في العلم والفقه وغيره، وأحدثت ثورة اجتماعية عارمة، وكذلك شاعرة بوسعادة شنوفة التي كانت من عائلة مرموقة في مجال التعليم، (بوسعادة عرفت بالتعليم المزدوج بالعربية والفرنسية)، وكان أخوها منذ صغرها يحمل إليها الجرائد فتقرأها وتحوّل الأخبار إلى شعر، ومن ذلك أخبار وويلات الحرب العالمية الثانية، وتوفيت في مطلع السبعينيات.

هناك أيضا المناضلة المعروفة عايشة ناجي، التي ساهمت في تأسيس خلايا جيش التحرير إبان الثورة ببوسعادة، وجرت بعض التحضيرات للعمليات بدارها، قبض المستعمر على زوجها ورفاقه وذاقوا أبشع أنواع التعذيب ورحلوا لسجن الرعب الشام بوهران، بينما هربت هي إلى العاصمة واتصلت  بمحامي الثورة الشهير بيار بوبي ليتولى الدفاع عن الرفاق، علما أنّ بعضهم استشهد تحت التعذيب، ثم سافرت إلى فرنسا وقابلت ديغول لتعرض عليه جرائم التعذيب في الجزائر. وتذكر المحاضرة أنّ والد هذه المناضلة كان مترجما في سلك القضاء ثم أدار مستشفى بوبيلي بفرنسا هذا المكان الذي لجأ إليه اليهود فرارا من بطش النازية، وهنا أوضحت الدكتورة بركاهم قائلة "بوسعادة ليس فيها قهوة الزهو والشخشوخة والزفيطي فقط، بل بها تاريخ عظيم أيضا".

كما قدمت الدكتورة خديجة زتيلي من قسم الفلسفة بجامعة الجزائر مداخلة عن مفهوم المواطنة والحرية وارتباطه بالمرأة، حيث أن ذلك يضمن العدالة والمساواة ويحد من الصراع بين الرجل والمرأة، لكن في غياب ذلك تثبط الأحلام وتعطل، ويكبت صوت المرأة، وتكرس دونية النساء، واعتبارهن أنهن مواطنات من الدرجة الثانية، وبقاء عقل الرجل هو المستعار دوما من أجل حل مشاكل المرأة، كما أوضحت الدكتورة زتيلي أن الخطاب الديني "حجب الأنثى من المشهد السياسي والاجتماعي".

بدورها، أقرّت الدكتورة أمينة بلعلا من جامعة "مولود معمري" من تيزي وزو، والأكاديمية المعروفة بالأوساط العلمية العربية، أنّ المرأة اليوم بين نارين أو كما وصفتهما "خطابين" يتصارعان في أرضها تحت شعارات مختلفة، فخطاب المواطنة يعني الحرية والمدنية والعلمانية وخطاب الحريم يعني الدين والعادات والتقاليد، وأحيانا يتداخلان نتيجة تناقضهما على أرض الواقع فتتحوّل المرأة في الحداثة والعصرنة والمواطنة إلى امرأة تشبه عصر الحريم فتباع وتشترى في اقتصاد السوق وتتحول إلى بضاعة (الإعلانات مثلا)، وأحيانا أخرى تتحول الحرية إلى معول لكسر المواد الصلبة في المرأة وهي العادات والتقاليد والقيم فتنهار فيها الأنظمة التقليدية لتعاد صياغتها بمهمات جديدة ضمن أنظمة وأنساق جديدة، بعضها يكون مستوردا. وبالنسبة لبلادنا، مثلا فقد وفرت الدولة للمرأة بعد الاستقلال التعليم وتولي المناصب والانخراط في الجمعيات والمنظمات لكن مهمة تحريرها لابد أن تمر عبر المؤسسة الرسمية التي تعطي في الميدان الأولوية للرجل، في حين أن تحرير المرأة يعني تحريرا للمجتمع.

اختتم اللقاء بمداخلة للدكتورة فيروز رشام من جامعة البويرة وتحدثت عن "الحريم الثقافي والنضال السياسي"، مركزة على دور المرأة الجزائرية ما قبل الثورة وما بعدها، ولم ينطفئ سوى في العشرية السوداء، مشيرة إلى أنّ أرشيف هذا النضال محدود منحصر في الأبحاث وفي الصحافة، مستحضرة بعض نضالات الجزائرية وجرأتها في التصدي للظلم والقهر ليس فقط من المستعمر، بل حتى من شقيقها الرجل الذي خاطبته بشجاعة من على المنابر في الداخل والخارج كحال النقابية فاطمة مزرار التي قالت في مؤتمر مكافحة الاستعمار بليل الفرنسية سنة 1959 "على الرجال معالجة أنانيتهم".