ملتقى المجمع الجزائري يناقش تحديات الذكاء الاصطناعي

الترجمة بين الإنسان والآلة

الترجمة بين الإنسان والآلة
  • 91
لطيفة داريب لطيفة داريب

ذكر البروفسور الشريف مريبعي تخوّف المترجمين من الترجمة الآلية واستمرارهم في الدفاع عن الترجمة البشرية، مضيفا أنّ الآلة لا يمكنها أن تعوّض الإنسان في عملية الترجمة، خاصة في مجالات دقيقة مثل التناص والاستعارة. وأكّد أنّ دور المترجم يبقى أساسا في المراجعة والتدقيق وإصلاح ما قد تفسده الترجمة الآلية.

أوضح رئيس المجمع الجزائري للغة العربية البروفسور الشريف مريبعي، خلال افتتاحه أمس للملتقى الوطني الموسوم "الترجمة والبيئة العلمية..نحو تفعيل التواصل المعرفي للغة العربية في زمن التحوّلات الرقمية الجديدة" بمقر المجمع، أنّه من الضروري الاستفادة من الترجمة الآلية وأدوات الذكاء الاصطناعي المختلفة لتحقيق الأهداف المرجوة.

كما أشار البروفيسور إلى إصدار المجمع كتابين في مجال الترجمة في فترة وجيزة، في انتظار صدور مؤلف ثالث في أكتوبر المقبل، من بينها كتاب يضم أعمال هذا الملتقى الوطني الذي نظم بمناسبة الاحتفاء باليوم العالمي للترجمة.

الترجمة الآلية بين المساندة والقصور

قدمت الأستاذة سعيدة كحيل مداخلة حول "تجربة المجمع الجزائري للغة العربية في الترجمة العلمية" من خلال عرض منهجي، حيث أوضحت أنّها وزملاؤها خصّصوا دراسة تطبيقية على التجربة المؤسّساتية في المجمع عبر اختيار عشر مقالات للكتاب الأوّل من سلسلة بعنوان "أروقة العلوم". وقد أظهرت النتائج أنّ الترجمة المعزّزة بأدوات الذكاء الاصطناعي تدعم جودة الترجمة وتساعد في التحكّم في الوقت والكم، لكنّها تبقى رهينة تدخّل المترجم منذ مرحلة الأوامر والتعليمات إلى المراجعة البشرية الدقيقة.

وأضافت المتدخلة أنّ هذه التجربة أكّدت أنّ الترجمة المدعومة بجهود المترجم في جميع مراحلها قادرة على كسب الرهان. كما خلصت الدراسة إلى نتيجة جديدة في هذا المجال، وهي بروز ميدان حديث بفعل الطفرة الرقمية أُطلق عليه اسم "الترجمة الأدواتية المعزّزة"، حيث تتوزّع المسؤولية بين الإنسان والآلة بإشراف عقل بشري ممنهج، وتنسب نواتج الترجمة إليهما معا.

بدوره، ألقى الأستاذ شوقي بونعاس مداخلة بعنوان "ترجمة الاختبارات النفسية من الإنجليزية إلى العربية باستخدام نظام كلود.. دراسة نقدية لترجمة نماذج من مقياس بيك للاكتئاب"، أكّد فيها أنّ ترجمة الاختبارات النفسية عملية دقيقة لضمان صلاحيتها التشخيصية وموثوقيتها. وأظهرت الدراسة أنّ ترجمات نظام كلود حقّقت قدرا ملحوظا من التكافؤ النفسي واللغوي، لكنّها كشفت أيضا عن قصور في بعض الجوانب، مثل الحذف الذي أثّر سلبيا على تكافؤ البنود، إضافة إلى ضعف في معالجة الفروق الثقافية. وأوصى المحاضر بعدم الاعتماد الكلي على الترجمة الآلية في هذا المجال، بل توظيفها كأداة مساعدة ضمن عمل المترجمين المتخصّصين.

الذكاء الاصطناعي وتحديات المصطلح العلمي

من جهته، قدّم الأستاذ كمال فرات مداخلة بعنوان "الذكاء الاصطناعي وتوحيد المصطلحات الصوتية العربية..من الفوضى إلى الاتساق المصطلحي"، أوضح فيها أنّ الذكاء الاصطناعي يمثّل خطوة أساسية للانتقال من فوضى المصطلحات إلى الاتّساق، وأنّه يساعد في اختيار المصطلحات بدقّة، لكن القرار النهائي يبقى بيد الخبرة البشرية ممثلة في أعضاء المجامع اللغوية. ودعا إلى توفير قواميس متخصّصة وتشكيل لجان لمتابعة نشر المصطلحات المتّفق عليها بالتنسيق مع المجمع الجزائري، وإلزامية اعتمادها في الميدان الأكاديمي، مع إمكانية إنشاء منصة رقمية عربية لتوحيد المصطلحات يشرف عليها خبراء مختصون.

أما الأستاذ عمر أحسن، فاعتبر أنّ الترجمة العلمية تمثّل رئة أساسية لنقل المعرفة عبر اللغات والثقافات، لكنّها تواجه في السياق العربي تحديات إضافية أهمّها إشكالية المصطلح العلمي الناتجة عن تعدّد المقابلات وغياب التنسيق بين المؤسّسات العلمية واللغوية. وأكّد أنّ كثيرا من المصطلحات تُترجم بأكثر من مقابل، ما يربك القارئ ويؤثر على التراكم المعرفي. وشدّد على أنّ الترجمة العلمية تقوم على فهم المفاهيم قبل نقل الألفاظ. كما تأسّف لغياب التنسيق بين المجامع والمؤسّسات، ما أدى إلى انتشار ترجمات فردية مرتجلة. وأوضح أنّ الذكاء الاصطناعي يوفّر إمكانات نوعية لكنّه لا يعوّض التكوين العلمي للمترجم، فالمترجم الناجح هو من يجمع بين الكفاءة اللغوية والمعرفة التخصّصية.

كما قدّم الأستاذ رامي بوددن مداخلة بعنوان "هندسة الأوامر بين تعويض المترجم والارتقاء بصنعته"، أوضح فيها أنّ حسن استغلال هندسة الأوامر يساعد على تحسين مخرجات الذكاء الاصطناعي، إذ أظهرت النتائج ارتفاع مستوى الدقة الأسلوبية والانسجام النصي مقارنة بالترجمات غير الموجهة. لكنه نبّه إلى أنّ هذا التحسّن يظلّ نسبيا، وأنّ اللغة العربية مصنّفة من اللغات محدودة الموارد في بيئة الذكاء الاصطناعي، ما يجعل مخرجات النماذج أقلّ جودة من اللغات المدعومة بموارد أكبر.

وأكّد المتدخّل أنّ الأوامر مهما بلغت أهميتها لا تغني عن دور المترجم البشري، فالمخرجات تحتاج دوماً إلى مراجعة وتدقيق. وخلص إلى أنّ المترجم في العصر الرقمي لم يعد مطالبا بالمهارات اللسانية وحدها، بل أصبح في حاجة إلى تعلّم أساسيات التدقيق والتحرير، وتسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي لخدمة الأهداف اللغوية والعلمية.