«حكاية أسفار»
التجارب الحياتية لمحمد ساري في آخر أعماله

- 1049

يعود الروائي الجزائري محمد ساري في آخر أعماله «حكاية أسفار»، إلى مختلف رحلاته وتجاربه الحياتية، مجسّدا عبر نصوص سردية متفرقة رغبته الدائمة في اكتشاف العالم والإنسان، فالرواية التي قدّمها ساري في أسلوب سهل من حيث بنيته السردية وجميل من حيث لغته التعبيرية، غاص عبر صفحاتها 258، في أعماق ذكرياته، مسترجعا أسفاره المتعددة منذ طفولته بقرية جبلية قرب مدينة «شرشال» الساحلية، مرورا ببعض تجاربه الحياتية وسفرياته التي قادته وهو شاب، إلى عدة بلدان.
يفتتح الأديب عمله هذا - الصادر عن منشورات «المؤسسة الوطنية للاتصال، النشر والإشهار» - باستذكار أول أسفاره «القهرية» وهو صغير؛ لما تم تهجير عائلته وبقية سكان قريته من طرف الاستعمار الفرنسي، لتستقر فيما بعد بشرشال، المدينة التي فرشت له بساط التجوال والترحال.
ولم يفوّت ساري الحديث عن الكشافة التي انضم إليها وهو صغير، معتبرا أنها فتحت له آفاق السفر عاليا، وحببت له الترحال واكتشاف الأماكن الغريبة. وكانت أولى سفريات الروائي الخارجية إلى فرنسا؛ حيث تركت باريس أكبر الأثر فيه؛ كونها فتحت عينيه على «خفايا النشاط السياسي» وقضايا «القمع والاضطهاد» الذي كان «يمارَس في البلدان العربية الاشتراكية» في السبعينيات والثمانينيات، وخصوصا من خلال الصحف العربية التي كانت تصدر هناك واللقاءات التي جمعته بالعديد من المثقفين اليساريين «المنفيين» من البلدان العربية.
كما يعود الأديب إلى رحلته إلى المغرب نهاية الثمانينيات وزيارته لمدينة الدار البيضاء، التي عرّفته بالعديد من مثقفي البلاد؛ كالمفكر عابد الجابري والشاعر محمد بنيس، غير أنّ سفريته تلك جعلته على تماس مع «القمع» الذي كان يمارسه آنذاك النظام المغربي ضدّ الصحراويين والمعارضين السياسيين المغاربة، الذين تشهد زنزانات سجن «تازمامرت» الشهير، عليه.
يقول ساري: «..ارتعدت أحشائي، تذكرت ما قرأته عن وحشية النظام الملكي بالمغرب وما فعله بالمعارضين المغاربة من أمثال عبد اللطيف اللعبي (كاتب يساري وسجين سياسي سابق)، الذي قضى سنوات في سجون جلالته بسبب مساندته تقرير مصير الشعب الصحراوي ..»، ويبدو أن مصر قد تركت بدورها أثرها الكبير على الروائي، وخصوصا القاهرة التي اختزلت له تاريخ مصر وثقافتها وأدبها، وأيضا مدينة «الفيوم» التي عرّفته بالعديد من أسرار تاريخها الفرعوني المجيد.
وفضّل ساري أن يتناول في الأبواب الأخيرة لعمله، تيمات متنوّعة تمحور بعضها حول البحر كقصة الجامعي «كريم»، الذي تجبره بطالته الخانقة على امتهان سرقة الرمال، وحكاية البحار «رشيد» مع «الحرقة»، وهي مواضيع تعكس العديد من الظواهر السلبية «المتفشية» في المجتمع الجزائري؛ كالفقر والفساد والمحسوبية. كما حاول الغوص أكثر في قساوة الحياة ولؤم البشر؛ من خلال نصوص عاطفية متخمة بالرمزية وذات عبر؛ كقصة الشاب المجنون «علي» الذي «ينتحر» أمام سكة القطار، وحكاية العجوز «سي اعمر» الذي أعاده الحنين إلى قريته بعد سنوات طويلة من الغربة.
هي نصوص متباينة حاول من خلالها ساري تقديم ما يجول في خاطره من أفكار وآراء وقناعات، عبر تحليلات اجتماعية ونفسية للمجتمع الجزائري ومختلف الظواهر السلبية التي رافقته منذ الاستقلال، كالنزوح الريفي والفوضى العمرانية والهجرة.
للإشارة، محمد ساري روائي وناقد ومترجم من مواليد 1958، نشر عدة روايات بالعربية والفرنسية، بينها «على جبال الظهرة» (1983) و«القلاع المتآكلة» (2013). كما ترجم عدة روايات من الفرنسية إلى العربية لأدباء جزائريين على غرار مايسة باي وياسمينة خضرة.