"اِحكِ لي عن إفريقيا" بفضاء روح البناف

التاريخ يتحدث عن السمراء أم الإنسانية

التاريخ يتحدث عن السمراء أم الإنسانية
  • القراءات: 867
❊مريم. ن ❊مريم. ن

استضاف فضاء "روح البناف" بالجناح المركزي للصالون الدولي للكتاب أول أمس، لقاء بعنوان "اِحكِ لي عن إفريقيا.. مدخل إلى تاريخ إفريقيا العام"، نشطه مؤرخون صالوا وجالوا في الأزمان الغابرة والحديثة التي تبرهن عن  عراقة القارة السمراء وتضامن شعوبها منذ الأزل، مع الوقوف عند بعض المعالم التي أتثبت أن الحضارة مرت من هنا.

أشار منشط اللقاء الأستاذ بن عودة لبداي إلى أنّ فضاء "البناف" يستمر لمدة أسبوع كامل؛ حيث يتم تناول في كل أمسية موضوعا في شتى الفنون والمعارف، منها المسرح والسينما. وكانت المحاضرة الأولى للبروفيسور عبد الرحمن خليفة بعنوان "تاريخ إفريقيا العام"، تحدّث فيها عن ظاهرة التنوع والتعدد التي عرفتها القارة منذ الأزل في تناغم وانسجام، موضحا أن كلمة إفريقيا ظهرت في شمال القارة، وكانت تخص البلاد التي تقع جنوب اليونان. ثم فصل المحاضر في هذه التسمية التي تزامنت ومعركة زاما مع أفريكانوس، وكان السكان يفتخرون بالتسمية كي يتميزوا عن الرومان المحتلين، وبالتالي فإن اسم إفريقيا ظهر في المنطقة الشمالية.

مهد الحضارة الإنسانية

أكد المتدخل أن هذه القارة كانت دوما مهدا للحضارة الإنسانية ودليلا على الأصول الأولى للإنسانية، لكن بقي ذلك مغمورا ولا يتم الحديث عنه، لتعود القارة إلى الساحة في بداية القرن 20  مع اكتشاف بقايا إنسان يعود إلـى 3 ملايين سنة، ثم اكتشاف بقايا لوسي وغيرها من الاكتشافات، التي أكدت أن القارة السمراء هي مهد الإنسانية، وبالتالي تم دحض ما قيل عن إفريقيا؛ كونها عاشت على هامش التاريخ، بل أكثر من ذلك، يضيف المتحدث، فأول مهاجر إفريقي كان نحو أوروبا منذ أكثر من 350 ألف سنة؛ ما يدل على أن أوروبا معنية أيضا بهذا التاريخ ذي البعد الإفريقي.

وتحدّث المحاضر عن اكتشاف بقايا حضارة ذات مليوني سنة بعين الحنش بسطيف بداية الخمسينيات. ورغم ذلك بقي تاريخها يُنتهك من المستعمر. وقد قال أحد الفرنسيين مستهزئا: "فرنسا التاريخية تحيّي الجزائر المستقلة"، لكن ذلك ـ حسب المحاضر ـ لا ينال من تاريخنا شيئا؛ حيث ساد الزعماء منهم يوغورطا حفيد ماسينيسا وغيره ممن افتخروا بانتمائهم الإفريقي. كما ذكر المتحدث أن تاريخ إفريقيا العام كُتب في الخمسينيات من طرف 50 مؤرخا عبر 50 ألف سنة، ليتم توثيقه في اليونسكو.

صورة جميلة من التقدم والتحضّر

قدّم البروفيسور خليفة عرضا مصورا لنقوش ورسومات التاسيلي، معبرا عن انبهار العالم بها، وكونها صورة جميلة من التقدم والتحضر في إفريقيا منذ الأزل، لتبدو كأنها من إنجاز فنان محترف. وعلّق على صورة معروضة بالقول إنها كلوحة "الآنستان" لبيكاسو، وهو ما يوضح أن من يصف الأفارقة بالهمج والتوحش خاطئ، وسرعان ما يكتشف العمق التاريخي مع هذه الآثار.

وعاد المتحدث بالحضور إلى زمن القرطاجيين؛ حيث راجت التجارة بين الأفارقة عبر الشواطئ وصولا إلى خليج قيني وصحراء الساحل، ونفس الحال بالنسبة للحضارة المصرية على ضفاف النيل والتي كانت إفريقية بامتياز، وبقي العدو هو روما الاستعمارية التي ضربت حزاما عازلا على الأطلسي كي تفصل الأفارقة، لكن الأمازيغ القدامى تجاوزوه، وحملوا السلع، وأتوا بالغلات والبضائع أيضا، لتبقى إفريقيا قائمة عبر 30 مليون متر مربع ومليار و300 مليون نسمة، موزّعين على أكثر من 54 دولة مستقلة. كما أكد المتحدث أن القرن الإفريقي يضم أكثر الآثار الغابرة. كما أشار إلى رجل مشتة العربي، الذي يدل على الزمن السحيق بالجزائر. وعرض صور مشواش، وهم أمازيغ رسموا على المعالم والمخطوطات المصرية القديمة، بعضها يعود إلى تاريخ 1226 قبل الميلاد.

إفريقيا متقدمة والأوربيون متخلّفون

وصل المحاضر إلى الفترة الإسلامية في القرن السابع ميلادي، حيث امتد حتى المغرب، ثم انتشر في إفريقيا عن طريق التجارة، التي غالبا ما كانت على يد الإباضيين من إمامة تيهرت إبان الدولة الرستمية. وقد بدأوا ببلاد السودان، وهي جنوب الصحراء، التي تضم السنغال والنيجر ومالي وغيرها، ليتم بعدها تشييد القصور التي تمت بها المبادلات التجارية، كما هي الحال بقاو. ثم استعرض المحاضر مرحلة أخرى خاصة بالعبودية التي دشّنها البرتغاليون، وكثيرا ما حملوا أبناء القارة كعبيد إلى البرازيل.

في أثناء المناقشة، أشار المحاضر إلى أن إفريقيا كانت متقدمة عندما كان الأوربيون متخلّفين، وهو ما قاله أغستين عندما زار روما: "نحن أغنى منكم"، وهنا ألح البروفيسور خليفة على ضرورة القراءة والإنتاج في مجال التاريخ، مثلما كانت الحال مع مكتبة الإسكندرية في العصور القديمة؛ حيث كانت منارة العالم، ثم مع أحمد بايا في تومبوكتو، مؤكدا أن التاريخ يمنع تكرار أخطاء الماضي.

حين ساندت إفريقيا الجزائر

بدوره، قدّم المؤرخ فؤاد سوفي محاضرة بعنوان "حين ساندت إفريقيا القضية الجزائرية"، واستشهد بمواقف برلمانيين فرنسيين من أصول إفريقية ساندوا الجزائر منذ سنة ألف وتسعمائة وسبع وعشرين. وقد ذكر أحدهم، وهو سنغالي، بأنه طالب بإطار خاص بالجزائر، وبأن يكون تمثيل للجزائريين بالبرلمان الفرنسي بباريس. وفي سنة سبعة وأربعين، طالب برلمانيون أفارقة بإدراج الجزائر ضمن إطار المستعمرات، لكن الطلب رُفض على اعتبار أن الجزائر أرض فرنسية بـ 3 مقاطعات وليست مستعمرة، وكان ذلك تهربا من أيّ مطلب لتصفية الاستعمار خاصة بعد مجازر 8 ماي ومجازر مدغشقر والدار البيضاء، وانضم هؤلاء الأفارقة لليسار الفرنسي. وقد رأى بعض السياسيين الفرنسيين النقاش الإفريقي عن الجزائر خطرا. وقال أحدهم: "لا تتركوا الجزائريين يتحدثون عن الانفصال، فإذا فقدنا الجزائر كيف سنمسك بإفريقيا إذن؟"، وهكذا كان الأفارقة في البرلمان الفرنسي يندّدون بالاستعمار، وكان الفرنسيون يمجّدونه، وهذا ما تكرّر بعدها من نقاش بعد عقود.

واستقبل هذا اللقاء المؤرخ سانشيز بورو رينالدو من جامعة هافانا بكوبا، الذي تحدّث عن علاقة بلاده بإفريقيا خاصة الجزائر، إذ أشار إلى أنّ العلاقات كانت محتشمة، والتواصل كان قليلا مع الأدب الإفريقي إلى غاية سنة 60، التي تزامنت واستقلال الدول الإفريقية. واكتشفت كوبا نضال الجزائر ضد فرنسا. وقرأت لمصطفى لشرف "الجزائر مجتمع وسلطة"، ثم لفرانس فانون كرمز سياسي وثقافي للثورة الجزائرية، لتتوالى الأعمال التي تعكس نضالا مشتركا، يستحق الدعم والتكامل اليوم.