بورايو يتحدث عن "البطل في الحكاية الشعبية"

البطولة كانت حافزا للثورة على الطغيان

البطولة كانت حافزا للثورة على الطغيان
  • 915
مريم.ن مريم.ن

نشّط الدكتور عبد الحميد بورايو سهرة أول أمس، محاضرة بفضاء بشير منتوري خصصها لـ "صورة البطل في الحكاية الشعبية الجزائرية"، مستعرضا فيها أهمية البطولة في الذاكرة الشعبية، والتي ظلت حية رغم الظروف الصعبة والمحن، الأمر الذي رسّخها عبر الأجيال، وكان حافزا للثورة ضد الظلم كما كانت الحال إبان الثورة التحريرية، التي أدت إلى الحرية التي نحتفل بها في هذا الخامس جويلية.

نُظمت المحاضرة في إطار برنامج "ليلة الحكي"، وهي آخر أمسية في أجندة مؤسسة فنون وثقافة لهذا رمضان الكريم، وتتزامن مع الاحتفالات المخلدة لعيد الاستقلال.

تمت الإشارة في هذه السهرة إلى أن الحكي والفن عموما لهما دور كبير في بناء الشخصية الجزائرية. وبالمناسبة قرأت السيدتان حنيفة حموش وأم كلثوم معروف مقاطع من بعض الحكايات الشعبية أمام الحضور، منهم الأطفال. وقد أشاد بهما الدكتور بورايو وقال إنهما تؤديان بتميز وتمثيل عال وبلغة الجدّات (قدمتا حكاية السلطان أبو مالحة وحكاية القرية القبائلية، التي تغلبت على الاستعمار وحفظت روح معلم القرآن).

أشار المحاضر إلى أنه مختص في هذا التراث ويدرّسه بالجامعة منذ سنوات طويلة، كما أن له برنامجا بالإذاعة الثقافية، مؤكدا أن الجزائر بحاجة إلى الاهتمام بهذا التراث أكثر وتفعيله، وهنا ذكر تجربة رائدة في تونس وقف عليها عند زيارته لها؛ حيث تقام دورة للحكاية الشعبية بمهرجان بفداوي بسوسة. والبفداوي هو القاص الشعبي الذي يأخذ مكانه في المقاهي ويقص على الحاضرين ملاحم شعبية مشوّقة على لياليَ متتالية، منها ملحمة "عنترة" و«سيف بن ذي يزن" و«الجازية الهلالية " و«سيدنا علي ورأس الغول". وكان الناس يستمعون إليه بشغف. ومن الحاكين من كان يأخذ مكانه عند أحد أبواب المدينة من الخارج، ويأخذ في سرد قصته أمام الناس وهم واقفون حوله. ويُعرف الفداوي بسرعة البديهة وقوة الحجة. وذكر المحاضر أن مجموعة من المسرحيين التونسيين تقدم خرافات ترويها مباشرة أمام الجمهور، ويرتدي أكثرهم بهذه المناسبة، لباسا خاصا بالفداوي التونسي؛ من شاشية تونسية و«جبة عربي" و«بدعية". كما يقدّم الفداوي مجموعة من الطرائف والقراءات الشعرية الفكاهية قبل أن يدخل صميم الموضوع، وهو بذلك يحاول الاستيلاء على انتباه المتفرج. دور الفداوي صعب للغاية، يتطلب خيالا شاسعا وثقافة واسعة؛ فلا يمكنه الخروج عن إطاره التقليدي مثل عرض الخرافة في مكان مغلق وفي إطار محدود مع متفرجين يحسنون الإنصات للحكاية ويتفاعلون معها.

الحكاية، حسب المتحدث، أثرت المخيلة التي أسستها الجدات في الغالب من خلال حكايات بسيطة وطريفة ولكن تأثيراتها على شخصية الأطفال كبيرة ومهمة للغاية، وبالتالي فإنها إحياء لجزء من أدبنا الشعبي، وتحفيز للشبان للتعرف على تقنيات العرض المسرحي. ونفس التجارب موجودة بأوروبا، التي قدّرت أهمية التراث والحكاية، فخصصت لها فضاءات ومواعيد مختلفة.

بالنسبة للجزائر، فالحكاية جزء من تراثها وخصوصيتها، وجدت فيها منذ الأزل واعتُبرت مرآة للحياة؛ على اعتبار أن لها بداية ونهاية، كما أن الفلسفة قدمت نفسها في ثوب حكاية كما كان في التاريخ الجزائري القديم، فمنذ العهود البربرية القديمة كانت الحكاية، ثم جاء أبوليوس مع حماره الذهبي، ليأخذ الريادة، والتي لاتزال آثار أعماله منها "عصفور الهواء" و«المطر"، موجودة في بعض مناطق القبائل وبالشاوية، وتمتد حتى المغرب.

الحكاية الشعبية ثمّنتها أيضا الراحلة الطاوس عمروش؛ حيث أصبحت مرجعا لفن الحكاية في العالم، ثم كان الراحل شريط من خلال القصص الشعبية التي دوّنها، ثم جاء السعيد الهاشمي بالحكايات الخرافية الجزائرية وأيضا بالحكايات الواقعية التي نُسجت إبان ثورة التحرير نتيجة ما حققته من معجزات ومن بطولات جماعية.

في الحكاية نجد الأسطورة الخرافية العجيبة التي ظهرت في البداية والتي تروي العلاقة مع القوى الخارقة والطبيعة، وتوجد أيضا الملحمة، وهي بطولة جماعية تتبناها أمة تقاوم الظلم والعدو الأجنبي، وهذه استمرت إلى عهد بني هلال، ثم الثورات الشعبية بعد دخول الاستعمار. هناك أيضا بطولة الخارجين عن القانون والتي ظهرت خاصة في نهاية القرن الـ19 وبداية القرن العشرين، وهم متمردون خرجوا ضد الاستعمار، كانوا خارجين عن القانون، لكنهم في نظر شعبهم أبطال، منهم مثلا بوزيان والقلعي وبن زرماط. أما فترة الثورة التحريرية فقد أنتجت أبطالا حقيقيين، خلّد أسماءهم التراث الشعبي، وربطهم ببعض المعتقدات الدينية الغيبية، من ذلك أنهم كانوا مدعومين بالملائكة.

ذكر المحاضر أيضا أبطال الحكاية الشعبية، الذين يظهرون في غياب العدالة الاجتماعية ليحموا المظلومين. كما ذكر "البطلة الضحية"، وهي موجودة في الحكاية الجزائرية والتي ليس لها إلا قوة الصبر والأمومة لتنتصر في الأخير.