طباعة هذه الصفحة

الملتقى العربي للشعر في طبعته الثالثة بأم البواقي

الاستقلال تأسيس للفضاء الثقافي الوطني

الاستقلال تأسيس للفضاء الثقافي الوطني
  • القراءات: 757
وردة زرقين وردة زرقين

ركز الدكتور عاشور فني من جامعة الجزائر في مداخلته بعنوان ”لحظة استقلال بوصفها فعلا تأسيسيا للفضاء الثقافي الوطني” خلال الطبعة الثالثة للملتقى العربي للشعر من تنظيم بيت الشعر بأم البواقي بالتنسيق مع دار الثقافة ”نوار بوبكر”، ركز على ثلاثة محاور؛ ”الفضاء الإبداعي” و«الفعل التأسيسي لهذا الفضاء الإبداعي” و«التحولات التي عرفها هذا الفضاء خلال فترة الاستقلال”.

قال الدكتور فني إن الفضاء الإبداعي يتعلق بالحيز الذي يسمح بالإبداع والتفاعل مع المحيط والجانب الملموس، وهو الحيز الجغرافي والإقليمي سواء المحلي أو الوطني أو العالمي، ثم يأتي الحيز الثقافي، متسائلا عن وجود ثقافة وطنية تحمل الإبداع على المستوى الوطني، وعن كيفية تطور هذا الحيز الثقافي، مضيفا أن هناك حيزا فكريا يمكن وصفه ”نفسيا وروحيا”، يأتي بعده الحيز المؤسساتي. ويقتضي لهذه الجوانب المذكورة وجود مؤسسات تهيكل هذا الحيز وتشرف عليه وتدعمه وتعززه في بعض الأحيان. كما تتطلب هذه المؤسسات وجود قوانين وجوانب قانونية وإدارية.

وقال إنه عند التحدث عن الفضاء الوطني يكون التحدث عن مجموع هذه القضايا من الثقافة والفكر والسياسة والتنظيم المؤسساتي القانوني والتنظيمي للفضاء الوطني المتعلق بالإبداع الثقافي. وأوضح عاشور فني أن منذ 57 سنة كانت هناك محاولة لمؤسسة الاستقلال الثقافي، ”ورغم ذلك لازلنا في لحظة تأسيس الإبداع الثقافي.

وما وقع في تلك الفترة هو أن الدولة حاولت أن تؤسس فضاء ثقافيا ببعده الجغرافي والسياسي على المستوى الوطني، على أنقاض الفضاء الاستعماري والاجتماعي، لكن الواقع الاستعماري فرض لأكثر من قرن ونصف قرن على الجزائريين واقعا ثقافيا رهيبا، يتميز بوجود مركز قوي جدا وأشكال ثقافية تلبي حاجة المعمرين، ووجود نخبة معيّنة تخدم الوجود الاستعماري، فيما كانت الثقافة الوطنية منذ 1962 تتميز بالفضاء المحلي، تشرف عليه مؤسسات شعبية، في معظمها مؤسسات دينية كالزاوية والمسجد والمدرسة والجمعيات وغيرها.

وغداة الاستقلال وجدت الدولة الجزائرية نفسها في مواجهة هاتين الحقيقتين، وهما ثقافة استعمارية لها مؤسسات قوية تخدم فئة المعمرين، وثقافة محلية متغلغلة في المجتمع ولكنها خاضعة لمؤسسات ثقافية، ولذلك أنشأت الدولة مؤسسات ثقافية، تتمثل أساسا في الإدارة المركزية للثقافة، التي عرفت تطورا وتحولات رهيبة، بحيث اعتُبرت الثقافة قطاعا من القطاعات للنشاط الرسمي للدولة الجزائرية، بالإضافة إلى وجود تنظيمات إلى جانب الدولة، تتمثل في الجهاز المركزي للحزب وبعض التنظيمات وبعض الهياكل الخاصة بالمبدعين المثقفين كاتحاد الكتّاب.

كما عملت الدولة على إنشاء هياكل تشتغل على الثقافة، تأخذ بعدا وطنيا كالشركة الوطنية للنشر والتوزيع، والديوان الوطني للمطبوعات المدرسية، والمسرح الوطني والمسارح الجهوية المختلفة، والمؤسسات الإعلامية الكبرى وغيرها، وهكذا استطاعت الدولة خلال سنوات 60 و70 و80 هيكلة الفضاء الإبداعي الثقافي في كل جوانبه، وكان أمثال الطاهر وطار ولخضر حمينة وبن عيشة وإسياخم يشتغلون بالتعاون مع المؤسسات الرسمية التي كانت تقدم أرضية للإبداع، لكن الهياكل السياسية غير الرسمية هي التي تتدخل في أمور تحتاج إلى ذلك، كما أن شبكة من الأدوات التي كانت تستخدمها الدولة لأجل بناء فضاء إبداعي وطني، كان همها الأساس الوقوف في وجه الأمبريالية والرجعية.

وأكد المحاضر أن المؤسسات الثقافية التي تأسست في العهد الاستعماري، لم تتخلص من التبعية رغم أن الدولة أنشأت مؤسسات، إلا أنها ظلت تراقبها وتراقب القائمين عليها.

وأكد الدكتور عاشور فني أن الثقافة الوطنية الجزائرية هي ثقافة الحركة الوطنية، تأسست مع تيارين قويين؛ حزب الشعب الحداثي والتيار الإصلاحي، وبالتالي فإن جذور الحركة الثقافية في الدولة الوطنية منذ 62، تعود إلى بداية الحركة الوطنية. والعمل الذي قامت به الدولة سمح بوجود فضاء وطني، حيث كانت الأسماء معروفة على مستوى التراب الوطني، كما كان الفضاء مرتبطا بالمكان.

وسمحت الحركة عبر 50 سنة، بوجود رموز وأسماء وطنية كبرى معروفة، أمثال مولود قاسم نايت بلقاسم ومفدي زكريا ولخضر السائحي وغيرهم، بحيث كانت للفضاء الثقافي أهداف واستراتيجية وتأطير سياسي وميزانية.

أما عن سلبيات الفضاء الثقافي الإبداعي فقد أشار إلى مسألة المركزية، وإخضاع الإبداع لمراقبة السلطة. وعندما عرفت الدولة أزمة من السياسات العمومية في نهاية الثمانينيات، تخلت عن سياستها الثقافية والإبداعية، وبالتالي ظهرت من جديد، محاولة تأسيس فضاء ثقافي وطني.