مختصون يتحدثون لـ"المساء" عن الحماية الفعلية للتراث الجزائري:

الاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي وتجديد سبل السياحة الثقافية

الاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي وتجديد سبل السياحة الثقافية
  • 148
 لطيفة داريب لطيفة داريب

إذا كانت مهمة الحفاظ وتثمين التراث الجزائري المادي منه وغير المادي، غير محددة بزمن ولا بمكان، فإن تحقيقها فعليا يتطلب وسائل مغايرة على التي نعرفها بفعل تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا برمتها. وفي هذا الصدد، تواصلت "المساء" مع مهتمين بالتراث بتنوعاته وهم الأساتذة محمد بلحي وأحمد قريق احسن وياسمينة سلّام وطرحت عليهم إشكالية كيفية الحفاظ على تراثنا بشكل فعلي، فكان هذا الموضوع.

محمد بلحي: توفير مونوغراما في كل منطقة من بلدنا

أكد الأستاذ بلحي ضرورة توفر إرادة سياسية لحماية تراثنا بشكل فعلي، مشيرا إلى أهمية إشراك الحركة الجمعوية خاصة مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق هذا الهدف، إذ أن هناك مؤثرين يقومون بعمل ممتاز بشرط أن يعملوا في جوّ من حرية التعبير والإبداع. 

تابع بلحي قائلا إن اشراك الحركة الجمعوية في حماية التراث يعني أيضا وجود نواة في كل منطقة من مناطق الجزائر تحمي التراث المحلي، المادي منه وغير المادي، وهو ما لا نجده اليوم، حتى البطاقات التعريفية الخاصة بكل منطقة لا تضم معلومات تخصها، بيد يجب أن يجد كل مواطن معلومات تعنى بالمكان الذي يقطن فيه.

 لهذا يجب أن تبذل وزارة الثقافة والفنون جهودا لصالح هؤلاء المؤثرين الذين يخدمون التراث والتنسيق مع وزارات أخرى في هذا الشأن مثل وزراتي السياحة والخارجية، هذه الأخيرة التي يمكن أن تخدم التراث من خلال المراكز الثقافية في الخارج، أي استعمال القوة الناعمة -يضيف بلحي- كما يجب الاستثمار في الثقافة وتنظيم نشاطات تخص التراث في الجزائر العميقة وبرمجة ورشات رقمية يشارك فيها المواطنون من كل المناطق. 

ودعا صاحب كتاب "بسكرة مرآة الصحراء" إلى قبول كل تراثنا وعدم إقصاء أي جزء منه، وإلا لتعرض تراثنا للسرقة ومحاولة الاستحواذ عليه من طرف الغير، مثلما حدث معنا حول فن الراي، مؤكدا ضرورة تقبل كل تراثنا بدون تفرقة، فلا يمكن تحديد تاريخ الجزائري عند الفتح الإسلامي لها أو القول بأن تاريخ الجزائر يبدأ من فترة حكم ماسينيسا وبالتالي تثمين حكم بطل بربري وإقصاء حكم عبد المومن المؤسس الفعلي لدولة الموحدين لأنه مسلم، معتبرا أن تفضيل شخص على آخر ممنوع، حتى لا يكون تراثنا كزربية بها ثقوب. وقدم بلحي مثالا عن ساحة بمكسيكو اسمها "ساحة الثقافات الثلاث" التي تصر على وجود ثقافات متنوعة لأن المكسيك تقبل تاريخه ولم يقص أي مرحلة منه.

وطالب بلحي من وزارة التربية وحتى المدارس الخاصة، الاهتمام الكبير بالتراث وتنظيم زيارات للمتاحف، فالطفل حينما يكبر على حب التراث والتعرف عليه سيحافظ عليه حينما يكبر. كما تحسر على قلة الاهتمام بالتراث في مناطق جزائرية مثل وجود لافتة أكلها الصدأ حول مغارة بني عاد بتلمسان، ليعود ويؤكد ضرورة تثمين  كل منطقة لتراثها، مثل وضع بورتريهات في المناطق تعرف بثوارها ليقول: "لا يجب أن يبقى التراث حبيس المتاحف بل أن يعرّف بكل منطقة ينتمي إليها".

وتوقف بلحي مطولا عند حاجة كل منطقة لدراسة مونوغرافية مثلما فعل الاحتلال الفرنسي حينما استعمر الجزائر فقد حاول فهم طبيعة الشعب الجزائري والتعرف على  خصائص أرضه، نباته وحيواناته من خلال اعتماده على مونوغرافيا (بحث تفصيلي لموضوع واحد ضيق النطاق يدرس من كافة جوانبه دون إهمال أي عنصر من عناصره)، مضيفا أنه أورد فقرة تخص ثورة زعاطشة بموقع ويكيبيديا الذي وضع ثوار الزعاطشة والمستعمر الفرنسي في نفس الخانة، ليتم سحب الفقرة بعد أيام، دليل على تحكم أطراف معينة في هذا الموقع.

وقال بلحي إن الجزائر بحاجة إلى بنك معلومات وإلى موسوعة تضم كل المجالات، مشيرا أن الاحتلال الفرنسي حينما استعمر الجزائر ثمّن فترة الحكم الروماني، ليقص حادثة كان شاهدا عليها تمثلت في إيجاد آثار فترة الفاندال في سريانة خلال حفر أرض لبناء عمارات في سنوات الثمانينات وكيف أن رئيس البلدية لم يهتم بها لأنها لا تعود الى الفترة الاسلامية.

واعتبر بلحي أن هذه الممارسة هي نفس ممارسة الاستعمار الفرنسي بالجزائر، ليعود ويطالب بضرورة تقبل تراثنا بكل أصنافه ومراحله، وحمايته من كل سرقة، فقد تعرضت العراق في أولى أيام الاحتلال الى الهجوم الأمريكي على وزارة النفط وعلى المتحف مثل ما فعل الجيش السري الفرنسي في الجزائر حينما أحرق مكتبة جامعة الجزائر، ومثلما حدث مع حرق المكتبة التاشفينية بتلمسان عام 1847 والتي كانت تضاهي المكتبات العربية الكبرى.

وأشار بلحي الى عراقة تراثنا الذي يجب على الدولة حمايته بإدماج الجميع في هذه المهمة، نخبا وشعبا، وتحسيس الجمهور به وبالاعلام ايضا وتنظيم دورات تكوينية للمختصين فيه، وكذا تغيير  استعمالنا لبعض المصطلحات التي نستعملها في حياتنا اليومية فلا نقول هذا صالون مغربي وهذه حلويات مشرقية.

ياسمينة سلاّم: ضرورة تسجيل التراث أولا على المستوى المحلي

تحدثت الكاتبة والمختصة في الطبخ ياسمينة سلام، عن أهمية الاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي لخدمة التراث على المستوى المحلي، خاصة أن شبابنا متعطش لمعرفة تراثنا والتعريف به، لهذا طالبت أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي سفيرة لتراثنا، لكن بشرط تناول مواضيعه بشكل مبسط وسهل للقراءة وأن تكون المعلومات صحيحة طبعا.

أضافت ياسمين أن التراث عالمي لأن الإنسان منذ العصر الحجري القديم كان يتنقل من منطقة الى أخرى بدون حدود وينقل معه معارفه، لهذا فمن الأجدى عدم السؤال عن أصل موروث ما، بل كيفية التعامل معه والحفاظ عليه ومنعه من الزوال والتعريف به في العالم، مثل حلوى "التشاراك" التي نقول عنها إنها حلوى جزائرية وهي كذلك، لكن تسميتها وحتى أصلها غير ذلك، بيد أنه حدث تحولا في وصفتها بفعل أنامل جزائرية، وكذا "الشدة" التلمسانية التي هي جزائرية لكن هناك ألبسة من دول أخرى تشبهها، دليل على استلهام شعوب من شعوب أخرى، في حين  قدمت الجزائر الكثير للكسكس وهي التي أوصلته الى العالمية، تضيف ياسمينة.

ونوّهت ياسمينة صاحبة كتابي "ذاكرة الطبخ في الجزائر" و"الكسكس.. جذور وألوان الجزائر" بأهمية تسجيل التراث الجزائري في اليونسكو لكن من الضروري جدا أن يتم تسجيله أولا في التراث الوطني، لتقوم بطلب تسجيل عدة تحضيرات جزائرية محضة لا توجد في أي منطقة أخرى خارج بلدنا وهذا على مستوى وزارة الفلاحة مثل مشروب تكراويت في الجنوب.

وفي هذا السياق، اعتبرت ياسمينة أن هدف اليونسكو من تسجيل التراث غير المادي هو التوحيد بين الشعوب لهذا فحينما يتم تسجيل تراثا ما لا يعنى فقط بعنصر واحد، بل بعدة عناصر مثل تسجيل الزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري الكبير الذي يضم عدة عناصر من  بينها عنصر القفطان.

 أحمد قريق حسين: أهمية إحياء السياحة الداخلية

قال دكتور علم الفلك المهتم بتاريخ العلوم والتراث، أحمد قريق احسن، إن مهمة حفظ التراث تتفرع إلى عدة نقاط مثل تحديد مسار معين لزيارة منطقة قديمة مثل زيارة نافورات القصبة تحديدا أو مساجد مدينة عتيقة، مشيرا إلى أهمية الاستفادة من تجارب دول عرّفت بنجاح سياحتها مثل اسبانيا وايطاليا واليونان والتخطيط لسياحة مدروسة، علاوة على مرافقة هذه السياحة بإنتاج أدبي ومؤلفات تاريخية.

بالمناسبة، قدم أحمد مثالا بقصر الحمراء بإسبانيا وهو معلم تم ترميمه ويزوره سياح كثر ، وقد تم مثلا تخصيص سياحة حول الماء الموجود بالحمراء فيشتري السائح كتابا حول هذا الموضوع بموقع القصر ويزور منابع الماء والآبار والنافورات ونفس الشيء بالنسبة للنباتات القديمة التي تم القيام ببحث أثري حولها وغيرها من المواضيع التي يهتم بها السياح، أي تم الاعتماد على المخطوطات والبحوث حتى تكون السياحة أيضا تاريخية وثقافية.

هذا عن المعالم الأثرية التي دعا قريق الى الاهتمام بها والى استخراج معالمها المدفونة، أما التراث غير المادي ، فقد طالب أحمد بتشييد متاحف مثل متحف خاص بالكسكسي بكل تنوعاته وآخر خاص بصناعة الخبز وإنشاء ورشات تعلم طرق صناعة هذين الغذائين وغيرهما وتقصي الوصفات القديمة لصنع الأغذية وتقديمها بشكل متنوع وجديد حتى تكون هناك حركية في السياحة الثقافية.

كما تحدث قريق أيضا عن أهمية احياء السياحة الداخلية ليقدم مثال بتنظيم زيارات لزوايا خاصة في الأماكن التي لا توجد فيها فنادق، فمثلا يذهب رب عائلة رفقة أطفاله الى زاوية ويعيش وفق عادات المقيمين بها مثل الاستيقاظ باكرا وقراءة القرآن في لوحة وهي عادات وتقاليد محلية لا يجب أن تندثر، مشيرا إلى ان هناك دولا تستفيد ماديا من السياحة الدينية بشكل كبير.

وقدم قريق مثالا آخر حول إمكانية برمجة جولة سياحية لتتبع مسار الأمير عبد القادر الذي يعد من أعظم الشخصيات في القرن التاسع عشر، حيث يمكن تتبع مسار الأمير في كل منطقة زارها وحتى في المدن الخمس التي أسسها، مضيفا أنه لا يمكن لأي مؤرخ الحديث عن القرن التاسع عشر بدون التطرق الى الأمير عبد القادر ولا أن يتناول تاريخ القرن العشرين من دون تناول الثورة التحريرية الجزائرية ولا أن يتحدث عن كفاح النساء ويتجاهل مقاومة لالة فاطمة نسومر ولالة زينب من زاوية الهامل، ليطالب بضرورة أن لا تبقى ثقافتنا حبيسة الكتب بل أن تحيا وتتجدد كل يوم.