تفاعل وعمق إفريقي مشترك

الإنسان والصحراء.. انعكاس للخصوصية الهوياتية والجغرافية

الإنسان والصحراء.. انعكاس للخصوصية الهوياتية والجغرافية
  • 183
مريم . ن  مريم . ن 

شهد اليوم الثاني من تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة الحسانية"، تنظيم العديد من الجلسات العلمية، منها جلستان مسائيتان نشطتهما كوكبة من الأدباء والخبراء، تناولوا فيها خصوصيات الثقافة الحسانية وامتدادها التاريخي والجغرافي مع الدعوة، لتثمينها وإدراجها بشكل أكثر حضورا في المشهد الثقافي والفني العام، وإدخالها إلى مخابر البحث العلمي.

ترأس الجلسة المسائية الرابعة "الثقافة الحسانية جسر تواصل إفريقي"، الدكتور غالي الزبير، الذي ثمن اللقاء الذي يجمع المشاركين مما سمح لهم بتبادل التجارب.

المحلية لمجابهة الرواية المعولمة

أول المتدخلين كانت الدكتورة أمينة بلعلى، من جامعة تيزي وزو، حيث تناولت موضوع "التراث الحساني من خلال الرواية"، متوقفة قبلها عند حال الرواية الجزائرية والعربية عموما، ومعاناتها أحيانا من الإملاءات المفروضة، على اعتبارها مثل باقي المؤسسات التي لابد لها أن تخضع للعولمة، كذلك كان الحال مع سلطة الإيديولوجية، والقومية وغيرها، ما جعل، حسبها، الرواية تشتغل خارج سياقها وخصوصيتها، ما جعل الروائي (الجزائري مثلا) يتجه نحو الثقافة المحلية ويراهن عليها من أجل الترويج والتأصيل للرواية، بعدما فشلت الرواية الإيديولوجية .

تطرقت المتحدثة أيضا لرواية الصحراء، التي بدأت تأخذ مكانها في الجزائر، مؤكدة أن الرواية الجزائرية بدأت بالمحلية وبثقافتها الشعبية، بالتالي من الطبيعي العودة إليها، زد على ذلك، فإن هذه المحلية هي عنصر مقاومة ضد الرواية المعولمة، ذاكرة أنه منذ دخول الألفية الثالثة، اهتم الروائيون الجزائريون بالحسانية، معطية بعض النماذج الحية، منها الروائي صديق أحمد الزيواني الذي نهل من البعد الصحراوي والإفريقي، ليكون فضاء لأعماله الروائية، منها الأخيرة "منا قيامة شتات الصحراء" التي تخص الشتات البشري الذي خلفه جفاف وقحط 1973 في صحراء تيلمسي وأدغاغ إفوغاس، من شمال مالي، هذا الشتات الذي سيتوزع عبر مناطق مختلفة من صحراء الجزائر، خاصة مناطق تيمياوين وتمنراست وبرج باجي مختار، بالتالي وظف كل ذلك، انطلاقا من الذاكرة، كما أن هذا الشتات في الثقافة الحسانية كان محركا ديناميكيا للحفاظ على الهوية.

أعطت المتحدثة نماذج أخرى لروايات أخرى، منها "عشتو ريم الرقيبات" للروائي عبد القادر بن جعفري، التي توثق النسب باعتماد لغة التفسير، وتقف عند المسكوت عنه من طابوهات، كذلك رواية "أسريسر ذهبو" لمحمد رحال الذي يتحدث فيها من داخل البنية العميقة للثقافة الحسانية، وبالضبط من البادية، بتناول بعد المركز والهامش والأسطوري والديني الروحي فيها بعضا من ذاكرة قصة سيدنا يوسف مع شفرات أسطورية عجائبية مرتبطة بثقافة الصحراء، مع حوارات كثيرة تدل على خصوصية الإنسان ذي الثقافة الحسانية، وكذا طغيان الذاكرة التي تسكن النص.

الساقية الحمراء موطن الحسانية

كما قدم الكاتب والدبلوماسي المصطفى محمد لمين من جمهورية الصحراء الغربية، تدخلا عن "الامتداد الإفريقي للتراث الحساني المادي"، معتبرا الثقافة الحسانية عصية على الطمس، وأنها تطورت في الشمال الغربي لإفريقيا، ممتدة للصحراء الكبرى نحو موريتانيا والصحراء الغربية والجزائر ومالي، وهذه الثقافة أعطت أدباء وشعراء وتراثا ثقافيا ماديا وغير مادي (العمارة والزخرفة والطهي واللباس والحلي والزراعة والرعي)، ولغتها هي أداة تواصل بين شعوب المنطقة، متوقفا عند معالمها من مدن وحواضر، منها تومبوكتو وشنقيطي، ومنها معلم سيدي يحيى بمالي، مؤكدا أن الساقية الحمراء كانت دوما رمزا للحسانية ومحجا للأولياء الصالحين .

بدوره، تناول الأستاذ مباركي السعدي من المركز الجامعي بتندوف "التراث الثقافي المشترك في غرب إفريقيا-نماذج وأمثلة"، مؤكدا على ثراء هذا التراث المشترك في الساحل الإفريقي، خاصة من ذلك التراث الصوفي المستمد من رحلات العالم الجليل المغيلي، ثم باقي شيوخ الحسانية الذين ساروا على دربه، منهم عمر الشيخ، وظهر تراث المشيخة مع القادرية، وصولا إلى التجانية التي أسست دولة الأئمة، التي قاومت الاحتلال الفرنسي، ليسهب المحاضر بعدها في عرض مختلف تجليات التراث الحساني، من ملبس وحلي ومن شاي أخضر والاعتناء بالإبل وغيرها.

إدخال الحسانية إلى مخابر البحث العلمي

خصصت الجلسة الخامسة للثقافة الحسانية في الجزائر، وتناول فيها الدكتور عبد المجيد جاعة من جامعة الجزائر، موضوع "الثقافة الحسانية في الجزائر بين الهوية الثقافية وجدلية الأنا والآخر في الفضاء المشترك"، حيث أكد أن مجموعة من دول إفريقية تذوب الحسانية في ثقافاتها الوطنية، موضحا أن المجتمع الحساني هو مجتمع معنى وقيم، داعيا بالمناسبة، إلى فتح أفق للتعريف بهذا العنصر من ثقافتنا الجزائرية الثرية، قائلا إن الحسانية ليست لهجة وتقاليد اجتماعية، بل هي نسق رمزي متناسق يتقاطع فيها التاريخ واللغة والانتماء في تفاعل دائم بين الإنسان والصحراء.

أما الدكتور مولود فرتوني من جامعة تمنراست، فتناول "الحسانية لدى قبيلة إيرقناتنر والشاعر افيدي ولد مختار أنموذجا"، مع الوقوف عند تراث كونتة التارقية (دق الشيخ) ومضاربها في الساحل الإفريقي والصحراء الكبرى، مستعرضا تراث الشاعر افيدي الذي تغنى باستقلال الجزائر في 1962، مستحضرا بعض شعره الذي مزج فيه بين العربية والحسانية، وأشار إلى أن التارقية مثلا، روضت وأصبح لها نفس مخارج اللسان الحساني.

من جهته، تحدث الدكتور عبد النبي زندي عميد كلية العلوم الإنسانية والأنثروبولوجية بجامعة تمنراست "التداخل الثقافي بين التوارق والحسانيين"، معتبرا أن بعض ألغاز ثقافة التوارق وجدت في الحسانية، ما يفسر ذلك التداخل والاندماج، مستعرضا بعض صور ومعالم هذه الثقافة منها الجانب المادي، الذي قال إن لا فرق بين الحسانية والترقية في الخيمة، أما باقي العادات والحرف فهي نفسها، كذلك الحال مع التراث غير المادي المستمد من المخيال الجماعي، مضيفا أن الحسانية لها خلفية في الأهقار، خاصة منذ السلطان البكري في 1830 ذو التكوين الكنتي، الذي شهد عهده تحولا جذريا، وكان يأخذ الفتاوى غالبا من توات، وعندما دخلت فرنسا عين صالح حرم بموجب فتوى بن ابراهيم شراء تمورها، كمقاطعة للمحتل الغاصب، وقد ألح المتدخل على ضرورة إدخال هذا التاريخ والتراث لمخابر البحث في الجامعة الجزائرية.