الفيلم المصري "قدرات غير عادية" لداود عبد السيد

الإنسان قوة خارقة

الإنسان قوة خارقة
  • القراءات: 773
دليلة مالك دليلة مالك

يحيل الفيلم المصري "قدرات غير عادية" للمخرج المصري داود عبد السيد إلى العديد من القراءات في أحداث فيلمه الذي عُرض، أول أمس بالمسرح الجهوي عز الدين مجوبي ضمن منافسة المهرجان الأول للفيلم المتوسطي بعنابة. وكل هذه القراءات تنصهر في فكرة خيالية بديعة، تعكس قدرة المخرج غير العادية في نقل المتلقي من منطق إلى منطق آخر، وتمرير رسائل مكثفة بشكل مرن.

كتب سيناريو الفيلم داود عبد السيد، وقام بعملية إخراجية بارعة، ووُفّق في سرد قصة الدكتور يحيى (خالد أبو النجا)، الذي يشتغل في بحثه المعقد عن أناس يملكون قدرات خارقة، وما لبث أن يئس من العثور على حالة واحدة، ليضطر لأخذ عطلة، فذهب إلى ضواحي الإسكندرية ونزل في دار ضيافة تملكها السيدة المطلقة حياة (نجلاء بدر)، لتجمعه الصدفة بالطفلة فريدة ابنة حياة، ويكتشف مَلكة خارقة لها في استشراف الأحداث وتحريك الأشياء بواسطة عينيها المغناطيسيتين.

ينزل يحيى في هذه الدار، ويجد نفسه مع مجموعة من النزلاء تجمعهم صفة الفن، وتعجب السيدة حياة بالدكتور يحيى، لكن القدرات غير العادية التي تخفيها وتريد إخفاء قدرات ابنتها كذلك تعقّد حياتها؛ فتُجبَر على ترك فندقها وتغيير إقامتها من مكان إلى مكان؛ لأن الشرطة علمت بالسر؛ الأمر الذي يزيد من تفاقم عقدة حياتها. تعبت من الهرب، واستسلمت لأمر تسليم نفسها للبوليس، الذي لم يَبدُ بوليسا في شخصية الضابط عمر؛ فشكله كان أشبه بشخصية مافياوية استغلالية. 

ويحتمل الفيلم العديد من القراءات من زاوية واحدة فقط، ومع كل زاوية تتجدد راءات ثانية؛ إنه أشبه بعمل كريستالي ناصع في كل جهة، وضعها داود عبد السيد في سكة البحث عن هذه القدرات، يقودها يحيى الذي يدرك لاحقا أن هذه الملكات ذاتية مغروسة في شخصية الإنسان، وكل شخص يتميز بواحدة منها عن غيره، غير أن هناك فارقا فيمن يعلم ولا يعلم أنها فيه.

تعنت السلطة وجبروتها جلي في هذا العمل السينمائي الطويل، المتمثل في السيطرة على حياة عندما تزوجت بالضابط عمر، الذي استغل قدرات فريدة في عمله، الأمر يجعلها تدخل في انغلاق وعزلة، وتتحول فريدة الفتاة المرحة الذكية إلى كتلة من الأسى والحزن؛ فعالم الأطفال لا يمكن أن يتحمل أوضاع الفساد والجرائم التي تعرفها الأوطان.يحيل العمل كذلك على ظاهرة التطرف الديني ومعاناة الفنانين من تداعياته، يُظهرها المخرج في شخصيات ثانوية ترفض الفن التشكيلي وعروض السيرك والغناء التي تبهج الأطفال، وأن الإيمان يسكن قلوب الناس، وأداء شعائره حرية شخصية، وعلى كل واحد أن يحترمها.

الفيلم مبني على متن درامي لوقائع اجتماعية في قالب خيالي، العمل قوي لما يحمله من رسائل عديدة وُفّق المخرج في تمريرها بسلاسة متناهية، وكان الاشتغال محترفا مع الطفلة التي أدت دور فريدة، كما وُفّق في اختيار الممثلين. مرت على أطوار الفيلم فترات من الملل بسبب طول مدته (132 دقيقة)، واستعان المخرج بتقنية عالية في فن الخدع البصرية السينمائية، فضلا عن المشاهد التي تعكس جمال وحميمية الإسكندرية بدفء بحرها. واستعان داود عبد السيد بالمشاهد المقرّبة لتقديم تعابير الوجه بشكل يقنع المتلقي، وكسب رهان الصدق في الأداء. للإشارة، فإن الفيلم من بطولة خالد أبوالنجا ونجلاء بدر بالاشتراك مع محمود الجندي وعباس أبوالحسين وحسن كامي وأحمد كمال، ووضع الموسيقى التصويرية له راجح داود.