كتاب "خوارزميات الذكاء الاصطناعي.." يبرز:
الإعلام الافتراضي أحد الأدوات الرئيسة في الصراع العالمي

- 129

تسعى أستاذة الإعلام الرقمي وتقنيات الذكاء الاصطناعي الدكتورة شيرين فاروق ربيع، في كتابها "خوارزميات الذكاء الاصطناعي الإعلام الرقمي ومستقبل السيادة الرقمية" ، إلى وضع القارئ في مواجهة عالم جديد، تتشكّل ملامحه أمام أعيننا بسرعة مذهلة، حيث لم تعد القوّة التقليدية وحدها كافية لتفسير موازين الصراع. ولم تعد الجيوش في ساحات القتال هي اللاعب الوحيد، بل برزت التكنولوجيا الرقمية، والإعلام الافتراضي، وتقنيات الذكاء الاصطناعي كقوى فاعلة لا تقلّ أثراً وخطورةً.
تؤكّد الدكتورة شيرين أنّ "الإعلام الافتراضي أصبح أحد الأدوات الرئيسة في الصراع العالمي المعاصر. ففي عصر ما بعد الحقيقة أصبحت المعلومات المضللة والتلاعب بالحقائق، جزءا من الاستراتيجيات السياسية والعسكرية، إذ يلعب الإعلام الافتراضي دورا رئيسا في تشكيل الرأي العام، وخلق اتّجاهات تُساهم في تصعيد التوترات أو تهدئتها". إنّنا أمام عالم لم تعد فيه الحقيقة وحدها هي التي تحكم سلوك الجماهير، بل أضحى التضليل والتلاعب إحدى أهم الأدوات في صناعة السياسات الكبرى.
وتنتقل إلى ربط هذا التحول بتطورات الذكاء الاصطناعي، الذي لم يعد مجرد تكنولوجيا تطبيقية، بل صار "أحد أهم أضلاع الصراع العالمي، والمتمثّل في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخوارزميات التعلّم الآلي، حيث تقدّم هذه التكنولوجيات الحديثة أدوات متقدّمة لتحليل البيانات، والتنبؤ بالاتّجاهات، وإدارة العمليات الحربية بشكل أكثر فعالية". وهنا يتجلى كيف أنّ أدوات مثل التعلم العميق، لم تعد مجرد برمجيات لتحسين الخدمات، بل صارت عنصرا يعيد تشكيل استراتيجيات القوة.
وتقف الدكتورة عند ظاهرة "عصر ما بعد الحقيقة"، موضحةً: "لم تعُد وسائل الإعلام مراقباً محايداً في تغطية الأزمات والصراعات، بل أصبحت تُساهم في تشكيل السياسة الخارجية لعملية صُنع القرار، وبناء الأجندة السياسية على الساحة الدولية". هذه الجملة تعكس جوهر الفكرة التي تنسج خيوطها على امتداد الكتاب: الإعلام لم يعد وسيلة اتصال فحسب، بل تحوّل إلى أداة حرب، وإلى ساحة صراع بذاتها.
وبينما كان يُنظر في السابق إلى الحروب باعتبارها مواجهة بين جيوش منظّمة على أرض معركة واضحة، فإنّ التحوّلات التي وصفتها المؤلّفة أبرزت أنّ "الحروب لم تعد تخضع لقانون النزاعات الدولية المسلحة، كما تستخدم تكتيكات الحرب غير التقليدية في مواجهة جيوش نظامية. ويعتمدون فيها على شبكات قتالية مرنة، ولها قدرة على امتصاص الضربات. ولا يشغلهم العامل الزمني". هذا النمط من الحروب حيث تختلط حدود السياسة بالعنف والإعلام بالتكنولوجيا، يفتح المجال أمام فاعلين جدد من غير الدول، يملكون من القدرة ما يكفي، لزعزعة الاستقرار، وتقويض الدول.
وفي استعراضها لمفهوم الحرب الإعلامية الافتراضية، ترى الدكتورة أنّ أخطر ما نواجهه اليوم، هو أنّ وسائل الإعلام الرقمية أصبحت قادرة على إنتاج واقع بديل، واقع لا تحكمه الحقائق، بل الانطباعات. وتقول إنّ "الشائعات والأخبار الكاذبة تفاقمت في السنوات الماضية؛ حتى صارت أزمة كبرى تعاني منها كافة دول العالم بلا استثناء. وتحوّلت إلى أحد أكبر الظواهر والأخطار التي تهدّد الأمن القومي للدول بكافة جوانبه، وأبعاده". هذا التحوّل لا ينفصل عن صعود شبكات التواصل الاجتماعي، التي باتت ساحة مفتوحة لكل أشكال التضليل، وصناعة الرأي.
إنّ أهمية الكتاب تكمن في أنه لا يكتفي بتشخيص المخاطر، بل يسعى إلى كشف آليات عملها، وإلى تنبيه المجتمعات والدول إلى ضرورة امتلاك أدوات المواجهة. فالتحدي لا يكمن فقط في وجود الذكاء الاصطناعي أو الإعلام الرقمي، بل في كيفية استخدامهما، وتوجيههما، وفي قدرة الدول على حماية مواطنيها من الانكشاف الرقمي الذي يحوّلهم إلى أهداف سهلة للتضليل والاختراق، حيث لم تعد الحرب مجرد مواجهة عسكرية، بل أضحت "حرباً على العقول" بالمعنى الحرفي، حرباً تُستخدم فيها الخوارزميات بقدر ما تُستخدم فيها المدافع.
ويُحاصَر فيها الأفراد بالمعلومات الزائفة بقدر ما يواجهون فيها التهديدات الأمنية المباشرة. وهو ما يلخصه قول الدكتورة شيرين: "الحرب اللامتماثلة هي حرب بين دولة وأطراف أخرى تتباين قدراتها العسكرية بشكل بارز، أو تختلف استراتيجيتها وتعبئتها بشكل واضح… ويصف تعبير الحرب اللامتماثلة صراعاً تتباين فيه موارد الطرفين والمتصارعين في جوهرهما، وفي استخدامهما. ويسعى كل طرف لاستثمار نقاط الوهن لدى الطرف المقابل".