اللجنة الجزائرية للتاريخ والذاكرة

الأرشيف الوطني والبحث التاريخي تحت المجهر

الأرشيف الوطني والبحث التاريخي تحت المجهر
  • 1144
نوال جاوت نوال جاوت

تنظم اللجنة الجزائرية للتاريخ والذاكرة، بالتنسيق مع مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية "كراسك" (وهران)، ومشاركة "الندوة الجهوية لجامعات الغرب"، يومي 13 و14 سبتمبر الجاري، الملتقى الوطني "الجزائر وأرشيفها (1830-1962). واقع الأرشيف الوطني وإشكالية البحث التاريخي: تشخيص حالة"، في وقت أصبح الأرشيف في بلادنا في صميم ثلاثة انشغالات أساسية للدولة والمجتمع هي؛ "التاريخ الوطني"، "الحكم الراشد" و«الذاكرة الجماعية"، ما يطرح ثلاثة أسئلة جوهرية، تتعلق بأن يكون الأرشيف مرئيا، سهل الولوج وأن يدمج ضمن التراث الوطني.

يتطرق الملتقى، المنظم بمقر "كراسك"، لموضوع علمي وأكاديمي في غاية الأهمية، إذ تعتبر المراكز الوطنية للأرشيف والمكتبات الوطنية، والمتاحف الوطنية عبر العالم، مقر الذاكرة الحية للشعوب والدول والأمم، وبالنظر لوظائفها ورسائلها، تحتل مصالح الأرشيف مكانة متميزة بين كافة المؤسسات الجامعية والثقافية المحيطة بها، ما يجعل منها عصب كل الأبحاث والدراسات، وهذا ما أهلها لتكون نقطة استقطاب وإشعاع واسعة لشرائح مختلفة من الباحثين والدارسين الوطنيين والأجانب، من جامعيين وطلبة وصحافيين وروائيين وشعراء وسياسيين ودبلوماسيين وخبراء ومنظرين  واستراتيجيين ومصممي أزياء وغيرهم. يقول القائمون على الملتقى، إنه يجمع بين الأرشيف والبحث التاريخي والذاكرة الوطنية، مشيرين إلى أنه من ناقلة القول، إن مرتكزات الدراسات التاريخية الأكاديمية هو الأرشيف، بدونه لا وجود لدراسات نوعية وجادة: ومن ثم فهناك حقيقة لا جدال فيها، وهي أن مجمل الدراسات النوعية والجادة، سواء تعلق الأمر بحرب المقاومة الجزائرية في القرن التاسع عشر ضد الاحتلال الكولونيالي، أو بالحركة الوطنية والثورة التحريرية في القرن العشرين مصدرها واحد "مراكز الأرشيف الوطنية والأجنبية، خاصة الفرنسية، التي تزخر بالأرشيف الوطني المنهوب، عشية توقيع اتفاقية إيفيان، ولما توفره من خدمات عصرية ومريحة للقراء".

وفيما يتعلق بالأهمية الاستراتيجية للأرشيف، أشارت ديباجة الملتقى، إلى أن الأرشيف يعتبر المصدر الرئيسي للبحث التاريخي، لكن هذه العلاقة الترابطية ليست حصرية، بل تشمل أيضا المؤسسات العمومية التي تربطها بالأرشيف علاقة عضوية، بحكم أنها تنتج الوثائق التي تصبح بعد صبها في مصلحة الأرشيف أرشيفا. وأضافت أن القانون رقم 88-2009، المؤرخ في 25 كانون الثاني/ يناير 1988، المتعلق بالأرشيف الوطني، منحنا تعريفا واضحا وحديثا وديناميكيا للأرشيف، سيخوض أخصائيون بالتفصيل في هذا الموضوع لأهميته، ولأن جمهور المهتمين من طلبة الدكتوراه على وجه الخصوص، لا يعرفون عنه شيئا، رغم أنه ينظم ويضبط علاقة الأرشيفي بالقارئ.

يتمحور الملتقى حول مجالين رئيسيين هما؛ "الأرشيف بين الخدمة العمومية وشروط استغلاله"، إذ أن الأرشيف كي يؤدي دوره كاملا، يجب أن يستوفي عددا من الشروط، منها على وجه الخصوص تطبيق قانون الأرشيف (رقم 2018 المؤرخ في 25 جانفي (1988)، فضلا عن أن يكون الأرشيف متاحا لجمهور القراء، خاصة للمؤرخين الذين هم بحق أهم مستخدمي الأرشيف، وأكثرهم حضورا في قاعات المطالعة، وأيضا تيسير الولوج إلى أرصدة الأرشيف واستغلال محتوياتها، من خلال رفع القيود البيروقراطية التي تعرقل البحث التاريخي بغير سبب منطقي، لهذه الغاية، من الضروري توفير كافة الوسائل الكلاسيكية والحديثة، لتثمين الأرشيف ومجهود الأرشيفيين من جهة، وتمكين المؤرخين من معرفة أرصدة الأرشيف المودعة في المخازن، من جهة أخرى، إلى جانب احترام مبدأ نشأة وإقليمية أرصدة الأرشيف. أما المجال الثاني، فيخص "مختلف أصناف الأرشيف وأخلاقيات البحث التاريخي"، حيث أن مجالات البحث الأرشيفي عديدة، متشعبة ومتكاملة، ولا يقتصر الأرشيف على الأرشيف السياسي فقط، بل هناك عدة أصناف أخرى؛ أرشيف المحاكم، أرشيف المستشفيات، أرشيف الجمارك، أرشيف العقار، أرشيف البنوك، أرشيف المؤسسات التربوية وأرشيف تخطيط المدن، إلخ، وتقتضي الضرورة القصوى استغلال الأرشيف أينما كان في الجزائر أولا، قبل التوجه إلى الخارج، من منطلق أن الأرشيف، خزان حي للذاكرة ومكون أساسي للتراث الوطني، مآله الموت إذا أهمل، بالتالي الضياع الكلي للمعرفة المنقولة وللترابط الحياتي بين ماض في طور الانقراض، وحاضر عرضة للتطاول والتهديدات والتحريف والتزوير، ومن البديهي أن استغلال هذا التراث الأرشيفي، يخضع لقوانين منهجية دقيقة جدا، أهمها نقد المصدر الذي أنتج الوثيقة الأرشيفية، ثم نقد مضمون الوثيقة نفسها. 

للإشارة، مصالح الأرشيف عبر العالم هي بحق معالم للذاكرة بامتياز ذاكرة الماضي البعيد والقريب، ذاكرة الحاضر ومصدر استشراف المستقبل. وبحكم أنها مصالح (الأرشيف) فضاء يستقطب باحثي العالم، فهي بالتالي واحدة من الفضاءات النادرة التي تختفي فيها الحدود بين الأشخاص والذهنيات، إنه مع مر الزمن، انتشرت واتسعت مجالات البحث في مراكز الأرشيف، فنشأت داخل قاعات المطالعات الغاصة بالقراء المواظبين والمتعطشين للبحث، منتديات فكرية بين الباحثين من مختلف الجنسيات، ومن نتائج هذه الفضاءات المجتمعية الجديدة، أنها تكللت في الغالب بتبادل أوراق عمل وعناوين الباحثين الشخصية، كخطوة تمهيدية مستدامة بينهم وبين مؤسساتهم الجامعية، انعكست فوائدها على المجتمعات العلمية والثقافية والسياسية وغيرها.