مسابقة الروائي القصير في اليوم الثالث

اقتراب من الذاكرة والهوية والانخراط الاجتماعي

اقتراب من الذاكرة والهوية والانخراط الاجتماعي
  • 166
مبعوثة "المساء" على تيميمون: نوال جاوت مبعوثة "المساء" على تيميمون: نوال جاوت

شهدت المسابقة الرسمية للدورة الأولى من مهرجان تيميمون الدولي للفيلم القصير، مساء الأحد، عرض خمسة أفلام روائية قصيرة جاءت من الجزائر وإثيوبيا وتونس والصومال والرأس الأخضر، لتفتح فضاءً سرديًا وجماليًا متعدد الطبقات، يجمع بين الاختلاف والتكامل. ورغم تنوع المقاربات والأساليب، فإن الأعمال كلها التقت عند سؤال الذاكرة والهوية والتجربة الإنسانية في هشاشتها وتحوّلاتها، لتؤكد مرة أخرى أن السينما القصيرة تملك القدرة على التقاط المساحات الأكثر حرجًا في حياة الفرد والجماعة، وتقديمها في بناء بصري مكثّف لا ينفصل عن البعد الاجتماعي.

في هذا السياق، جاء الفيلم الجزائري"الضحية صفر" ليضع المتلقي أمام مواجهة مباشرة مع العنف النفسي وتصدعات البنية العائلية. يمتد العمل 18 دقيقة، أُنجز سنة 2025، ويحمل توقيع المخرج أمين بن ثامر ابن مدينة بوسعادة، الذي شقّ طريقه من مساعد مخرج إلى تأسيس شركته "ريفول آرت"، قبل أن ينتج فيلم "ليلة عابد" لأنيس جعاد ويُخرج فيلمين وثائقيين. يروي الفيلم حكاية اختفاء الطفل "بهاء"، لتكتشف الأم أنّ الابن الأكبر "عثمان"، الغارق في الإدمان، قد سلّم شقيقه الأصغر لشبكة تتاجر بالأطفال يقودها الطبيب النفسي المعالج له. وتتعقّد المأساة بانكشاف أن الطبيب هو الوالد البيولوجي للطفلين، ما يرفع منسوب التوتر ويكشف آليات التلاعب النفسي داخل الأسرة، ويمنح الفيلم بُعدًا إدانيا يخرج بالقصة من حدود الجريمة نحو فضاء أوسع من الأسئلة الأخلاقية والاجتماعية.

من إثيوبيا، فرنسا وكندا، جاء فيلم "ألازار" للمخرج بيزا هايلو ليما، وهو عمل روائي قصير من 36 دقيقة (2024)، ليُضفي على البرنامج مسحة شاعرية تتنقل بين الواقعي والمتخيّل. ليما، الذي خَبِر الأسلوبين الوثائقي والروائي ومرّ بمهرجانات كبرى مثل Visions du Réel وIDFA وFESPACO ، حيث فاز بـ"الحصان الفضي"، يستعيد قصة اختفاء جثمان كبير إحدى العائلات من قبره في قرية ريفية. يشرع الابن "تسّما" في البحث، متجاوزًا حدود الحكاية التقليدية، ليبلغ أسئلة الهوية في مجتمع يتجاذبه الإرث والمعتقد والواقع الراهن. ينحت الفيلم عالمًا تلتقي فيه الأسطورة بما يفرضه الزمن المعاصر، كاشفًا تعدد روايات الذاكرة وارتجاج اليقين في مواجهة التحوّل.

ومن تونس، أضفى الفيلم "على الحافة" للمخرجة سحر العشي (درامي– خيالي) مدّته 17 دقيقة (2024)، نفَسًا مختلفًا يستعيد حضور الأصوات النسوية الجديدة في السينما المغاربية. العشي، التي تنقلت بين حقول الفنون البصرية والبحث الأكاديمي وشاركت في برامج مرموقة مثل المدرسة الدنماركية للسينما وبرليناله تالنتز، تقدّم هنا قصة "منيرة"، امرأة ثلاثينية تدير كشكًا صغيرًا في ضاحية يغلب عليها الطابع الذكوري. بإيقاع هادئ تتجاور فيه اليقظة بالحلم، يلتقط الفيلم تفاصيل يومية تعيشها النساء في مواجهة الواقع الاجتماعي المتقلب، ويمنح البطلة فضاءً صغيرًا لكنه عامر بالمقاومة والإصرار، كأن منيرة تختبر حدود العالم وحدود ذاتها في الوقت نفسه.

وينفتح الفيلم الصومالي "الغبار سيتذكّرني"، أمام المتلقي كرحلة داخلية مكتوبة بالصمت. الفيلم، مدته 13 دقيقة (2025)، من توقيع محمد درمان، المخرج والسيناريست والممثل الذي انشغل دائمًا بأسئلة الوجود والهوية. يصوّر درمان شابًا يسير وحيدًا في الصحراء، محمولًا بندوبه القديمة، كأنّ الصمت هو اللغة الوحيدة الممكنة لقول ما لا يُقال. وبغياب شبه تام للحوار، تتحوّل الصورة والصوت والفراغ إلى أدوات كاشفة للتشظي، بينما تُصبح الصحراء مسرحًا رمزيًا ينفتح بين الانهيار وإمكانية الصمود.

وتُختتم التجربة بفيلم "الحصاد الأخير" من الرأس الأخضر، روائي قصير مدته 22 دقيقة (2025)، للمخرج نونو بونافينتورا ميراندا المقيم في لشبونة، المعروف بحساسيته الشعرية واشتغاله على منفى الهوية منذ فيلمه الأول *Kmêdeus* الذي عرض في روتردام 2020. يروي الفيلم حكاية غابرييل، الفتى البالغ الثالثة عشرة، الذي يعيش في البرتغال ويخشى أن تتلاشى ملامح والده المختفي. عبر علاقته بوالدته المهاجرة و"فيرمينو"، الفلاح المسنّ الذي فقد أرضه، يجد نفسه أمام أسئلة الجذور والانتماء. ومن خلال بناء بصري رقيق، يضع الفيلم الذات بين فضاءين: الوطن الأصلي والأرض البديلة، في محاولة لالتقاط ما يبقى من الذاكرة حين تتشظّى الروابط.