عاش ومات بسيطا

اعمر الزاهي.. كبير وكفى

اعمر الزاهي.. كبير وكفى
  • القراءات: 1062
 نوال جاوت نوال جاوت

لا يمكن لأحد أن ينكر مكانة الشيخ اعمر الزاهي في الذاكرة الفنية الجزائرية، والشعبية منها على وجه الخصوص، فهو مدرسة قائمة بذاتها، رسم لنفسه طريقا متميزا، حتى وإن مشى عليه بخطى واثقة من فرط حبه لما يقدّمه، زاده في ذلك حب الناس والزهد في ملذات الحياة، فهو من ترجم لوعة الحبيب، وعكس العشق الأزلي وغنى ببحة صوت فريدة ما يدور في خوالج الحبيب، وقدّم دروس الحياة لمن يعتبر.

كان الزاهي الأسطورة بحق، زاده هيبة ووقارا ابتعاده عما يمكن أن يعكّر صفاء سريرته، ويقلق باله وينغص طِيبة قلبه. اعمر الزاهي الذي رافقه الآلاف إلى مثواه الأخير بمقبرة "القطار" المطلة على خليج الجزائر، عاش بسيطا، ومات بسيطا وخلد في الأذهان ببساطة، واقترن اسمه بالشعب، وأكّدت كلّ الألسن على تميّزه الفني وسموه الروحي، وما الأمواج البشرية التي أبت إلا أن تودّعه في مثواه الأخير ولم تسعها الشوارع المؤدية إلى منحدر أرزقي لوني "رونفالي"، إلا دليل على عظمته، كان عظيما في حياته وفي مماته، عظيما بكبريائه وأنفته.. عظيما في إنسانيته وفنه.. عظيم وكفى.بعد أن سارت شائعات كثيرة حول حالته الصحية، ترجّل الفارس النبيل، ورحل إلى عالم أفضل، تاركا علامات فارقة في خزان أغنية الشعبي في الجزائر، فمن منا لم تمتعه "مريومة" و"أنا براني غريب"، و"زينوبة" وغيرها كثير من الأغاني التي اتفقت مختلف الأجيال على حفظها عن ظهر قلب، لما تحمله من معاني جميلة وراقية، معاني تعكس سمو الروح وتترجم تضارب المشاعر والأحاسيس..

"اعميمر".. قامة عمادها التواضع والبساطة

"اعميمر" كما يدلّعه الجزائريون، رحل دون أن ينير زوايا الظل في حياته، فهو الذي أحاطته الكثير من الحكايا، خاصة في الشق المتعلّق بحياته الشخصية وتجاربه العاطفية، فكلّما قدّم أغنية تحمل اسم فتاة قيل إنّها المعشوقة الغامضة التي من أجلها عانق طوال حياته الحزن والإبهام، فضلا عن رفضه اقتراب الإعلام منه، فكان المقربون منه يتولون مهمة ردّ الطارقين بابه في العديد من المرات.

اعمر الزاهي هو رمز الجزائر، ليس العاصمة فقط، بل من الحدود إلى الحدود.. هو رمز "زواليتها" الذين يرون فيه أنفسهم بمشاعرهم المتضاربة، بعزة أنفسهم وبابتعادهم عن "المشاكل" حتى وإن كانت "فنية"، فكم من جزائري قصد عرسا من دون أن يكون مدعوا، وقفز على الأعراف من أجل أن c يستمتع بقعدة شعبية أصيلة ركيزتها صوت "اعميمر"! وكم من عاشق آنسه صوت "اعميمر" وهو يكابد قسوة الفراق! وكم مرة تحسرنا فيها لما آل إليه فن "الشعبي"، فوجدنا في صوت بحة صوت وحضور "اعميمر" بعضا من العزاء!.