في الآداب والفنـون

استكتاب جماعي في "معالم الثورة الجزائرية وأبعادها الوطنية"

استكتاب جماعي في "معالم الثورة الجزائرية وأبعادها الوطنية"
  • القراءات: 491
لطيفة داريب لطيفة داريب

أعلن مخبر اللهجات ومعالجة الكلام لجامعة وهران1، عن مشروع كتاب جماعي بعنوان معالم الثورة الجزائرية وأبعادها الوطنية في الآداب والفنون، ودعا المختصين والمهتمين إلى المشاركة فيه بإرسال اسهاماتهم وأبحاثهم قبل 30سبتمبر الجاري، قصد تسليط الضوء على أحد أبرز الأجناس الأدبية والفنية التي ساهمت في تقوية العمود الفقري للثورة الجزائرية من خلال تقديم نماذج حية. كما سيتم أيضا التطرّق إلى علاقة الثورة بالتاريخ والهوية وكذا موقعها في العلوم الانسانية والفلسفة والخطاب الديني والأدب الجزائري والفنون والآداب العربية ونظيرتها الأجنبية وكذا حول خلفياتها على الصعيدين المحلي والدولي.

جاء في ديباجة مشروع الكتاب الجماعي أنّ الثورة الجزائرية ومعها بيان أول نوفمبر لم تولد من العدم أو الفراغ، بل رعيت طفولتها بحضانة طويلة من المقاومات الشعبية ونضال سياسي وطني استمر نصف قرن. وجاءت جبهة التحرير الوطني كمولود شرعي لها، وإطار مرجعي جامع لهذا الرصيد التاريخي الزاهر، مستلهمة الدروس من سنين الجمر التي عاشها الشعب الجزائري برمته تحت غطرسة الاحتلال، ومن ثم فإنّ نوفمبر الثورة لم يتنكّر لجزء من كلّ هذا الميراث، بل هو نتيجة طبيعية ومنطقية وخلاصة تاريخية مكثّفة لكفاح طويل مرير ضدّ الاستعمار الفرنسي الاستيطاني.

كما شكّلت الثورة الجزائرية مصدر إلهام واهتمام كبير من أقلام إبداعية تغنّت ببطولات وأمجاد هذه الثورة العظيمة عظمة شعبها، فتباينت الأعمال الأدبية في أجناس وفنون متعدّدة (شعر، قصة، رواية، ملحمة، مسرح، سينما، فن تشكيلي)، وتماهت فيما بينها لتبرز وجها من أوجه التاريخ الإنساني، وهي أعمال أسهمت في تجسيد الروح الثورية لدى الجزائريين، وكذا في كشف خفايا القضية التي شغلت الرأي العام الذي واكب مرحلة تاريخية مميزة من القرن العشرين بحمل هم وطن تستنزف خيراته وثوراته، وهكذا برزت عدة أعمال إبداعية تفاوتت في مستوياتها وفي رؤاها وطرحها، لكنها اشتكرت في نقطة واحدة هي الوعي الإنساني بكلّ قيمه وأبعاده الجمالية الخفية والمتجلية في كلّ عمل إبداعي.

وقد وظّفت الفنون بضروبها المختلفة (مسرح، سينما، فن تشكيلي)، بفنية ما واحترافية معينة في مناشدة القضية الجزائرية ومؤازرتها وفي تجسيد واقع مرّ عاشه الشعب الجزائري، فاستثمرت هذه الفنون لغاية إنسانية بالغة الأهمية، واشتركت في هذه الغاية إبداعات جزائرية وعالمية، حملت وعيا وهما إنسانيا أكثر. ويعتبر الفن التشكيلي من الفنون التي حملت الهمّ الجزائري، حيث جسّدت فيه أنامل إبداعية، صورا ومشاهد لأحداث عظيمة، رصدتها الذاكرة الجمعية بريشة فنانين حاولوا أن يثيروا الرأي العام ويشدوا المتلقي بطريقتهم الخاصة.

أما المسرح فقد أسهم بدوره في نصرة القضية الجزائرية واعلاء الحق، فقد كتب كاتب ياسين مسرحيته "الجثة المطوقة" التي عرضت بمسرح موليير، ولم يكن المسرح الجزائري وحده مناشدا لهذه الثورة التي أحدثت أثرا كبيرا على الرأي العام والشعوب الرافضة لضروب الظلم والاستبداد، وإنّما أسهم المسرح العالمي أيضا في اثارة أحداث وحقائق القضية الجزائرية، فكانت فرقة جان ماري سيري قد عرضت أيضا مسرحية الزلزال بمسرح التحالف الفرنسي.

تأتي السينما أيضا لتلعب دورا هاما في نقل واقع الثورة ومحاكاته بتقنية معينة، وباعتبارها وسيلة إعلامية تحمل ابعادا متباينة ومختلفة (إيديولوجية فنية..)، تتفاعل فيها عناصر عدة (المكان، الحدث، الممثلون، الصورة بكل خلفياته) وتتداخل فيها أجناس معينة من شعر، قصة، رواية، ملحمة، وسيناريو يحمل أيديولوجيته لتجسيدها فيلما (صورة وشاهد)، ومثال ذلك فيلم جميلة بوحيرد الذي حاول استنطاق تاريخا نضاليا لشعب رفض الذل والاستبداد من خلال التركيز على شخصية جميلة بوحيرد الشخصية الرمز، وما حملته من قيّم انسانية ، تاريخية، قومية.

وكان للشعر أيضا نصيبه من وجه أبطال نوفمبر وشهدائه، فقد ارتبطت الثورة التحريرية بقيّم الاسلام وعقيدة الجهاد . وقد وظف الشعر هذا المعنى كثيرا، وكان من الطبيعي أن يجد القراء حضورا مكثفا للمرجعية الدينية في نصوص الشعراء، حيث وظف الشعراء كثيرا دلالات الشهيد والشهادة، وكتبوا القصائد الطوال التي توظّف الرمز الديني. كما تعلّق الجزائريون بالحرية فحضرت نصوص الشوق إلى التحرّر في الشعر، فلم يستسلم الشعب الجزائري للإدارة الاستعمارية، فكانت المقاومة الشعبية ثم نشاط الحركة الوطنية، لتأتي ثورة نوفمبر وتواصل النضال الوطني، معلنة عدم التراجع طلبا للحرية.

وعبرّ الشعراء على هذا المعنى الجليل، وكشفت النصوص الشعرية الهمجية الاستعمارية ونقلت أهمية السلاح في التحرير، ولقد تجلى شهر نوفمبر بكلّ الوهج في الشعر الثوري الجزائري، وكتب عنه أغلب الشعراء ليكون رمزا شعريا جزائريا خالصا، يميز التجربة الشعرية الجزائرية عربيا إلى جانب رمز جميلة بوحيرد ورمز الأوراس، لتضاف هذه الرموز لرموز معروفة في الشعر العربي والعالمي، مثل الرموز الشعبية والأسطورية والدينية.