متحف المجاهد يحيي يوم العلم

ابن باديس رائد نهضوي لا يقبل الطمس والنسيان

ابن باديس رائد نهضوي لا يقبل الطمس والنسيان
الشيخ ابن باديس
  • القراءات: 873
مريم. ن مريم. ن

احتفلت جمعية العلماء المسلمين أول أمس في متحف المجاهد، بيوم العلم، حيث سلّطت الأضواء على جوانب خفية من نضال الشيخ ابن باديس، الذي كان له الفضل في نهضة الأمة الجزائرية ومواجهة الاستعمار الفرنسي. كما سبقت بخطابها السياسي غيرها من الأحزاب والجمعيات، وحضّرت لجيل تربى في حجر علمائها، وأشعل نار الثورة.

ردّ الأستاذ محمد الهادي الحسني (عضو في الجمعية) على المشككين في انخراط جمعية العلماء في الثورة؛ حيث أوضح أنها أصدرت بيانا يوم 3 نوفمبر 1954، تساند فيه الثورة كتبه الشيخان الإبراهيمي والورتلاني. وظلت الجمعية على مواقفها الوطنية حتى بعد الاستقلال، ومن ذلك حضورها في اجتماع حزب جبهة التحرير الوطني سنة 1964، معبّرة عن موقفها من الاختيارات والقرارات المطروحة خاصة من بن بلة وبومدين بوضوح، ما أدّى إلى التضييق على شيوخها، وعلى رأسهم الإبراهيمي الذي عوقب بالإقامة الجبرية، غير أنّ الجمعية ورموزها بقيت حية في الشارع، ما انعكس في جنازة الشيخ الإبراهيمي سنة 1965، حيث خرج الجزائريون في حشود لا أوّل ولا آخر لها رغم تضييق إدارة تلك الفترة.

ابن باديس كان أمة لوحده، جابه فرنسا المتغطرسة وتحداها. وأكد الدكتور عمار طالبي أنّ الشيخ كان زاهدا، ولو شاء لكان أغنى الجزائريين. وعاش في مدرسته، ولم يعد إلى بيت والده الغني حتى الأيام الأخيرة من وفاته حينما اشتد عليه المرض. كما أشار المتحدث إلى أن المخابرات الفرنسية ظلت تراقب ابن باديس يوميا حتى وهو على فراش الموت، لتكتب في الأخير تقريرها الشامل: لا كلام عن أخلاق ابن باديس، لكنه أخطر شخص في الجزائر على فرنسا. ويتبيّن بعدها أن الأجيال التي كوّنها هي من دفعت إلى الثورة، منها الشهداء مصطفى بن بولعيد والعربي بن مهدي وغيرهما من الأبطال.

من جهة أخرى، تحدّث المشاركون في هذا اللقاء التاريخي، عن المبادئ والأسس التي نادى إليها الشيخ ابن باديس بعيدا عن التحجّر والتعصّب وعن الدجل (سموها البخور)، ليحث على العلم ومحاربة الجهل اللامحدود الذي انغمس فيه شعبنا، ناهيك عن تبنّيه تعليم المرأة بالمجان، كما نادى إلى عقد المؤتمر الإسلامي سنة 1936، ثم جال وطاف كل الجزائر لإيقاظ شعبه، وتحاور مع خصومه، وكوّن شبكة من العلاقات مع الشخصيات الوطنية والعلمية في شتى البلدان الإسلامية خاصة بتونس. كما ذكر المشاركون أن الشيخ ابن باديس كان متصالحا مع الآخر ولم ينتهج الإقصاء من أجل الإقصاء، فنجد أنّ الطبيبين المشرفين على علاجه كانا يهوديين إلى جانب الدكتور بن جلول، كما ربطته بباقي الديانات علاقة طيبة، وهو ما انعكس في يوم تشييع جنازته التي حضرتها الحشود من النصارى واليهود، وأبّنه كل من الإبراهيمي والميلي بكلمة بالعربية، وابن جلول بالفرنسية، وتمّ نشر ذلك الأرشيف مؤخرا. وذكر الأستاذ عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية المسلمين الجزائريين، من جانبه، أنّ الشيخ ابن باديس التزم بثلاثية العلم والعالم والوطن، وأخضع الواقع الوطني الجزائري للتشخيص والتحليل، ومن ثم استنباط ما يمكن استنباطه، وكان يرى أن عدوّ شعبه هو الجهل، لذلك انطلق من التعليم ليس فقط في بعده الديني بل في شتى العلوم والمعارف والفنون وبين جميع شرائح المجتمع. كما خاطب الجزائريين ونخبهم ليس فقط في المسجد، بل من خلال الصحافة أيضا بعدما أسّس مطبعته بمساعدة زوجته وأبيه بقسنطينة.

وفي سنة 1937 أسّس الشيخ ابن باديس دار الحديث بتلمسان، علما أنّ الجمعية حققت حضورا ملفتا فيها، ما جعل أهل تلمسان يطلبون (من القيادة السياسية) بعودة الجمعية بعد الاستقلال. كما سبق الشيخ عصره، وطالب بالعديد من الحقوق، أولها الهوية الجزائرية بعيدا عن التغريب، ثم قال سنة 1925: الجزائر قبل كلّ شيء؛ أي قبل بوضياف الذي كان عمره حينها 6 سنوات. كما تبلورت الكثير من مبادئه في بيان 1 نوفمبر، وقبلها في أبجديات حزب الشعب (الثوابت الوطنية).

وفي الأخير دعا المشاركون إلى تثمين هذه الذاكرة ونقلها للأجيال، خاصة من خلال المنظومة التربوية، علما أن هذا التراث تعزيز للوحدة الوطنية، ولإرساء ثوابت الأمة الجزائرية التي ناضل من أجلها العلاّمة ابن باديس وجمع عليها الشعب الجزائري.