في مئوية عبد الحليم رايس

"إيسماس" يستحضر مسار أيقونة المقاومة الفنية

"إيسماس" يستحضر مسار أيقونة المقاومة الفنية
الفنان الجزائري عبد الحليم رايس
  • القراءات: 567
نوال جاوت نوال جاوت

ينظم المعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري "إيسماس"، في العاشر فيفري القادم، يوما دراسيا حول مسار الفنان الجزائري الشهير عبد الحليم رايس، تزامنا مع مئوية هذا المسرحي الكبير، الذي كان له دور كبير وإسهام متميز في ميلاد مسرح المقاومة الوطنية، عبر الكتابة الاستعجالية التي كانت تفرضها ظروف تلك المرحلة، ليؤسس بذلك لنضال فني وفكري موازٍ، حيث منحت نصوصه "أبناء القصبة"، "الخالدون"، "دم الأحرار" و"العهد"، بعدا جماليا وإيديولوجيا حقيقيا للفن الدرامي الجزائري.

تأتي هذه المبادرة، وفق بيان للمعهد، عرفانا لأيقونة الإبداع ورمز المقاومة الفنية بوعلام رايس، نظير ما قدمه للحركة المسرحية الجزائرية من جهة، وما أسهم به في دعم القضية الوطنية وإعطاء بعد دولي لها، من جهة ثانية، وكذا "التزاما من أسرة المعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري بتخليد آثارها عن طريق البحث والدراسة والتمحيص، من خلال جمع وإشراك كل الفاعلين من أساتذة وباحثين وطلبة وفنانين في فضاء ثقافي أكاديمي، وبيداغوجي، يسعى إلى حفظ الذاكرة الجماعية، وتعزيز ثقافة الاعتراف إزاء مناضلي القضية الوطنية، والفنانين المتميزين الذين تركوا أثرا لا يمحي في النضال الوطني عبر الفن المسرحي، فحق له ولهم أن يخلدوا في الذاكرة الفنية وأن توثق أعمالهم لتشكل مرتكزا أساسيا لفعل المقاومة".

وسيخوض المشاركون في هذا اليوم الدراسي، في أربعة محاور أساسية هي "المسرح الجزائري وقيم المقاومة"، "النضال السياسي والثوري للفنان بوعلام رايس إبان ثورة التحرير" وأيضا "خصوصية الكتابة المسرحية عند بوعلام رايس الخلفيات الإيديولوجية والمرتكزات الجمالية"، فضلا عن "تأثير أعمال عبد الحليم رايس على المسرح والدراما الجزائرية".

الكاتب والممثل عبد الحليم رايس (4 جانفي 1924 ـ 8 نوفمبر 1979) واسمه الحقيقي بوعلام رايس، بدأ حياته المهنية كعون في شركة الكهرباء بالجزائر العاصمة، ثم ممثلا في الإذاعة، قبل أن يلتحق بالفرقة العربية للمسرح التي تشكلت من 24 ممثلاً، ليُصبح نجم مسرح الأوبرا.

وشهد الموسم المسرحي 1947 1948، اعتراف السلطات الاستعمارية بالمسرح العربي، وفي سنة 1950، أدى رايس دور الشيخ المريض في مسرحية "صلاح الدين الأيوبي" التاريخية، ثم قدم تمثيليات من النوع البوليسي كانت تذاع على أمواج إذاعة الجزائر الناطقة بالعربية كل سبت، وسعى رفقة أصدقائه لإيقاظ الضمير السياسي لدى الشعب وتوعيته، وعمل أيضا لتحضير الثورة والدعاية لها وشرح رسالتها.

سنة 1951، وقع رايس عقدا مع العميد المؤسس محي الدين بشطارزي، تضمن تعهدا بالعمل معه طيلة ثماني سنوات، وواصل النشاط ضمن المسرح البلدي، إلى جانب كوكبة من الفنانين، على غرار مصطفى كاتب، حبيب رضا، علال المحب، وطه العامري.

في سنة 1956، توجه الراحل إلى باريس، حيث اتصل بـعبد الحفيظ كيرامان وشقيقه النذير، وهما عضوان في فيدرالية فرنسا لجبهة التحرير، وساهم معهما في تكوين خلية نضالية عُرفت بعدها بفرقة جبهة التحرير، وكان دورها يكمن في القيام بالدعاية وجمع الأموال. غادر رايس فرنسا في الثامن مارس 1958، وتوجه إلى تونس ومنطقة الباردو تحديدا، وقبل تأسيس الفرقة الفنية للجبهة، عمل على تعزيز الطاقم الذي ترأسه مصطفى كاتب، وأصبح رايس أمينا عاما، وقُدمت مسرحيتا "أولاد القصبة" و«الخالدون"، الأولى كتبها سنة 1948 والثانية عام 1955.

حُظي العملان بنجاح أسطوري عبر العالم، وأبهر الصينيين، خصوصا مع نقل العرضين لمشاهد حية من قلب المعارك التي كان يخوضها جيش التحرير الوطني، وتجسيدهما القيم والمبادئ العليا لثورة التحرير الجزائرية، كما كتب رايس مسرحية "دم الأحرار" (1961) التي نقلت قناعة الثوار بالاستمرارية الثورية، إلى غاية استرجاع السيادة الوطنية.

بعد الاستقلال، أصبح رايس مديرا للفنون، لكنه قرر ترك المسرح عام 1968، بعد أن عُين رئيساً لمصلحة الإنتاج في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، لكن رايس واصل الكتابة فأنتج "اليتيم"، وهي مأساة اجتماعية، "القناع الحديدي" المقتبسة عن مؤَلَف لإسكندر دوما، و«الرجل الذي يضحك" المستلهمة عن مُنجز فيكتور هيغو.

وتألق رايس بذكائه الحاد وإحساسه المرهف، لاسيما في تقمصه لعدة أدوار في مسرحيات "إفريقيا قلب واحد"، "132 سنة" و«العهد"، كما برز في السينما بدوره في فيلم "الأفيون والعصا" لأحمد راشدي، "سنعود" لسليم رياض، "الشبكة" لغوتي بن ددوش، و«المفيد" الذي كان آخر أعماله، قبل رحيله في الثامن نوفمبر 1979 عن عمر يناهز 55 سنة، إثر سكتة قلبية أثناء تصوير المسلسل التلفزيوني "السيلان" لأحمد راشدي.