المسرحي السوري فرحان بلبل في ندوة بالمسرح الوطني:

إنهلوا من التراث العالمي واعملوا مقياسا يخصكم

إنهلوا من التراث العالمي واعملوا مقياسا يخصكم
المسرحي السوري فرحان بلبل في ندوة بالمسرح الوطني
  • القراءات: 480
لطيفة داريب لطيفة داريب

اعتبر المسرحي السوري القدير فرحان بلبل، أنّ النهل من التراث العالمي، ضرورة وليس عيبا ولا سرقة، بشرط ألاّ نظل أسيرين له وأن نزوده بالتوابل المحلية، ليطالب النقاد العرب بالاهتمام بالممثل المسرحي العربي وابتعاده عن الانبهار بكل ما يأتينا من الغرب.

نشط الكاتب والناقد والمخرج المسرحي فرحان بلبل، محاضرة أمس، بنادي امحمد بن قطاف، في إطار فعاليات الطبعة الثالثة عشر للمهرجان الدولي للمسرح المحترف، تحدّث فيها عن تاريخ المسرح السوري، والبداية بحمص سنة 1860، التي شهدت أوّل نبضة للفن الرابع في سوريا، حيث قدم سليمان الصافي، عرضا مسرحيا في بيته، إلاّ أنّه تعرّض لمضايقات كبيرة من طرف سكان منطقته، بسبب منحه للفتيان أدوارا نسوية، لتتوقّف المسرحية، وينتقل المسرح إلى دمشق مع أبي خليل القباني، الذي عرض مسرحية في بيته سنة 1868، وتحوّل إلى الاحترافية، إلاّ أنّ أعيان المنطقة لم يدفعوا له مقابلا ماديا، حتى أنّ مسرحه تعرّض للحرق، فغادر إلى حمص لعامين ثم رحل إلى مصر فدمشق، ومن ثم تخلى عن المسرح نهائيا.

وعن أصول المسرح العربي، ذكر بلبل حادثة تتمثّل في عرض مسرحية مصرية بسوريا، تحت عنوان وا قدساه، من بطولة محمود ياسين، وقال إنّها كانت ركيكة مما دفع بشاب من الجمهور لأن يقول وا قدساه، وا أسفاه، فرد عليه محمود ياسين أنّ المصريين هم من علموا سوريا الفن الرابع، فما كان من وزيرة الثقافة السورية في تلك الفترة، نجاح عطار إلا أن تجيبه لا نكلم الجاهلين، تأكيدا منها لأسبقية سوريا في الفن الرابع على مصر. وعاد فن المسرح إلى حمص سنة 1870، وكانت تنشّطه جماعة متكوّنة من مشايخ وكهنة ومن بينهم داوود قسطنطين الخوري الذي كان المسلمون يسألونه عن دينهم وأخرج مسرحية بعنوان عمر بن الخطاب، وتوقف هنا بلبل ليتحدث عن حادثة وقعت له مع مطران دعاه، فقص عليه بلبل تأثير المسيحي داوود على الشأن الثقافي المحلي في القرن التاسع عشر، وسأله لماذا لا تساهمون أيها المسيحيون السوريون في الحياة الثقافية والدينية لبلدكم مثلما فعل أسلافكم؟.

وواصل بلبل الذي كتب 13 كتابا نقديا و34 مسرحية وأخرج ثلاثين مسرحية، سرده تاريخ المسرح السوري الذي عرف انقطاعات، لكنه عاد حينما انتدبت سوريا من طرف فرنسا، وكان يقدّم مسرحيات فرنسية في أغلبها حتى يقبل بها المحافظ، إلاّ أنّ الممثلين كانوا يرتجلون في هذه الأعمال ويمرّرون رسائلهم، وفي هذا الشأن، تعرّض ممثل دمشقي إلى الطرد من حمص بعد ارتجاله، وهو ما حدث بعد ستين سنة مع بلبل الذي فعل نفس الشيء في حضرة المحافظ السوري، حيث طلب منه مغادرة حمص إلى الحسكة، ولكن بعد تدخل الأمين العام للحزب، ألغي القرار. وأشار بلبل إلى تحوّل في مسار المسرح السوري بعد قنبلة دمشق واهتمامه بالمواضيع الاجتماعية والفنية، عوض السياسية وهذا بفعل انتقال المجتمع السوري من مرحلة الإقطاع إلى رأس المال مما خلق مشاكل اجتماعية، وكذا محاولة المسرحيين إتقان أدواتهم الفنية بعدما كان مسرحهم أشبه بالخطابية، كما بدأوا يضعون أسس فن التمثيل العربي، مثلما حدث في مصر.

وفي هذا السياق، اعتبر مؤسّس المسرح العمالي أنّ قواعد التمثيل واحدة في العالم ولكن تقديمها على الركح مختلف من منطقة إلى أخرى، فلكل إيماءاته وحركاته المميزة، مؤكّدا أنّ للعرب مقياسهم، ليطالب النقاد بالاهتمام بالمسرحيين العرب وعدم الانبهار بالغرب.

وعاد بلبل للحديث عن المسرح في سوريا، وتأسّف لوقوف رجال الدين في الثلاثينيات القرن الماضي في وجه المسرح بعد أن صعدوا على ركحه ونشطوه في سبعينيات القرن التاسع عشر، ليختفي الفن الرابع بعد استقلال سوريا وحكم البرجوازية الوطنية التي خشيت من تأثير المسرح على المجتمع، ومن ثم يعود بعد وحدة مصر وسوريا وظهور طبقات اجتماعية جديدة بحاجة إلى من يمثلها وهذا سنة 1960 بنشأة المسرح القومي.

بالمقابل، اعتبر الدكتور فرحان بلبل أنه من منظري المسرح العمالي وكان يطالب بعدم الاهتمام بمشاكل العمال الضيقة،  بل بتناول كل المواضيع التي تهتم بجميع فئات المجتمع، وحتى التي تمس العالم، مؤكدا أنه من الضروري أن نرث من مسرح العالم بدون خجل وأن المسرح الخالد هو ذلك الذي يدافع عن الحق والجمال والخير.

ـــ