المترجم بوداود عميّر يتحدث عن الموسم الأدبي الفرنسي

إصدارات عديدة عن الثورة الجزائرية

إصدارات عديدة عن الثورة الجزائرية
  • القراءات: 1147
لطيفة داريب لطيفة داريب

كشف المترجم والكاتب بوداود عميّر لـ (المساء)، عن صدور أكثر من عمل أدبي وتاريخي في فرنسا يتناول الثورة الجزائرية في الموسم الأدبي الجديد، مضيفا أنه بات من المألوف في فرنسا أن تصدر كتبا كل سنة في مختلف مجالات التاريخ والأدب، تستمد مادتها الأساسية من التاريخ الجزائري في الفترة الاستعمارية، في  الوقت الذي ينزعج البعض في الجزائر، من الأعمال الأدبية التي تتناول مادتها أو تستمدها من التاريخ الجزائري.

ذكر المترجم والكاتب بوداود عميّر بعض العناوين الفرنسية التي تناولت في الموسم الأدبي الجديد لفرنسا، الثورة الجزائرية، ومن بينها: كتاب (يوم تساقطت الثلوج على جبل العمور) لروني كنيجيفيتش، وهو عبارة عن رصد يوميات مجنّد فرنسي، عاش أهوال الحرب في الجزائر ما بين سنتي 1959 و1960؛ حيث كان يسجل وقائعها في دفتر مذكرات كل يوم. كما يبدو المؤلف ساخطا على الممارسات الوحشية للاستعمار الفرنسي.

الكتاب الثاني يحمل عنوان (أبي، ماذا فعلت في الجزائر؟ تحقيق في صمت عائلي). وقد حاولت المؤرخة الفرنسية رفايال برونش، أن تحقق في الصمت المطبق للمجنّدين الفرنسيين الشباب، الذين أدوا الخدمة العسكرية في الجزائر (تجاوز عددهم، حسب المؤرخة، مليون ونصف مليون مجند) ما بين 1954 و1962، ويتضمن الكتاب العديد من الشهادات والصور والوثائق.

أما الكتاب الثالث (خيّاط غيليزان) لأوليفيا ألقايم، فهو رواية مستمدة من أحداث حقيقية، مست سنوات الثورة، عاشتها أسرة المؤلفة أوليفيا ألقايم ذات الأصول اليهودية في مدينة غيليزان الجزائرية، في حين تُعتبر (الجزائر العاصمة، شارع بنانيي) رواية سيرية، مستمدة من حكايات عائلية، رصدتها الكاتبة الفرنسية بياتريس كومونجي، من خلال أربعة أجيال من عائلتها الفرنسية التي عاشت في الجزائر خلال الفترة الاستعمارية الفرنسية من 1830 إلى 1962.

كتب فرنسية عن الثورة الجزائرية

للإشارة، جاء في ملخص قصة كتاب (يوم تساقطت الثلوج على جبل العمور)، بعض ما كتب مجند فرنسي في يومياته حينما كان بالجزائر، مثل أنه كان على علم بما سيجده في الجزائر حينما علم بتجنيده هناك، ولكنه ومع ذلك ذهب إلى هذه الأرض التي لم يعرفها سابقا، مصطحبا معه كمّا من الفضول والرغبة في أن يكون مناضلا من أجل حقوق الإنسان بالرغم من زيّه العسكري وفقدان حرية التعبير في تلك الظروف، مضيفا أنه كان بحاجة لأن يكون في قلب الحدث لكي يحكم بعينيه، وليس حسبما يسمع من هذا أو ذاك. وهكذا كتب هذا المجنّد في يومياته، ما شهده في حرب الجزائر سنتي 1959 و1960؛ حيث قدّم من خلال كتابه هذا مساره العسكري في منطقة أفلو وبالضبط في جبل عمور، فكانت شهادته عنيفة؛ لأن الحدث لم يكن هيّنا، ويوميات روني كنيجيفيتش كانت مليئة بالتمشيط والاشتباكات والتعذيب؛ فماذا بقي لداع إلى السلام من عقل وقلب كي يقاوم بهما كل الأهوال التي عاشها وكان شاهدا عليها؟

وهكذا بدون أي طابوهات كشف روني عن أحاسيسه وأفكاره التي صاحبته في تلك الفترة العصيبة، حينما امتلأت جبل عمور بالدماء، فكان نص الكتاب حميميا، ويحمل نظرة داخلية عن حرب الجزائر.

وبالمقابل، تساءلت المؤرخة رفايال برونش عما فعله والدها خلال تجنيده بالجزائر، وهذا في كتابها الذي صدر حديثا بعنوان: (أبي، ماذا فعلت في الجزائر؟ تحقيق في صمت عائلي)، فكتبت في بعض أسطر الكتاب، أن العديد من العائلات الفرنسية تحمل ندوبا تعود إلى الثورة الجزائرية التي لم يتم الاعتراف بها في فرنسا بشكل رسمي إلا في سنة 1999، مضيفة أن الذين قاموا بالحرب هم آباء أو أزواج أو إخوة، في أغلبهم لم يتجاوزوا آنذاك سن العشرين، عادوا إلى فرنسا في صمت رهيب، ولم يشاركوا عائلاتهم ما عاشوه على أرض الجزائر، مؤكدة أن فهم ما حدث على مستوى هؤلاء وكذا نقل هذه المعلومات في كتاب، هو عبارة عن إلقاء ضوء جديد على مكانة هذه الحرب في المجتمع الفرنسي.

أما كتاب (خيّاط غيليزان) لأوليفيا ألقايم، فجاء في بعض صفحاته ذكر لتلك الليلة من ليالي الثورة الجزائرية، حينما طُرق باب منزل جد أوليفيا، مارسال، ووجد نفسه وجها لوجه مع رجال ألبسوه غطاء على الرأس، ورموه في شاحنة، وأخذوه إلى الصحراء، ليعود بعد ثلاثة أيام إلى غليزان، وهنا تساءل أفراد عائلته (فيفيان زوجته وإخوته ووالدته وجيرانه) عن سبب إطلاق سراحه، وماذا سيقدم قربانا لهذه الحرية؟ ولمن؟ ولكنه فضّل الصمت، ومن ثم الهرب إلى فرنسا.

وحكت أوليفيا في كتابها هذا عن تاريخ عائلتها، واختيارها المنفى، وبالتالي تخليها عن جذورها الجزائرية، وكذا عن الكم الهائل من الصعوبات التي واجهتها في فرنسا، مثل عدم تلقيها أي تعاطف أو شفقة، ناهيك عن الصعوبات التي اعترضت طريقهم في ما يخص الشق الإداري لعيشهم في فرنسا. كما روت قسوة البيت الفرنسي، المتمثل في قبو، وهذا بعد أن كانت العائلة تنعم بشمس غليزان. (الجزائر العاصمة، شارع بنانيي) لبياتريس كومنجي، كتبت هذه الأخيرة في مؤلفها أن الحظ أو القدر جعلها تنتمي إلى قطعة من أرض يمكن تدوينها تاريخيا في الفترة الممتدة من 1830 إلى 1962، مثل الجسد؛ حيث ولدت الجزائر فرنسية وعاشت لمدة 132 سنة، ومن ثم ماتت، مضيفة أنها كانت تعيش في الجزائر البيضاء، وبالضبط في حي (بنانيي)، تنعم بلطف أضوائها، وحيث تعلمت اللعب والضحك، وبالأخص جمال الاختلاف والتنوع. وهنال أيضا أحبت المدرسة والسينما والصداقة والسعادة وكل ما يخص الجزائر البيضاء، وهكذا قصت بيارتيس حكاية عائلتها التي سكنت الجزائر عبر أربعة أجيال كاملة.