مع اقتراب "سيلا 25"
إصدارات جديدة بالجملة
- 310
لطيفة داريب
اقترب موعد تنظيم المعرض الدولي للكتاب بالجزائر، ومعه صدور كتب جديدة، ستعرض على الجمهور الذي سيتوافد بكثرة على هذه الفعالية التي تعدّ بداية الموسم الأدبي بالجزائر. بالمناسبة، صدرت رواية" اللاشيء العظيم" للكاتب والطالب بمعهد الفنون الجميلة نور الدين زرنوح، عن دار "وهج" للثقافة والفنون والتي ستكون حاضرة بالمعرض الدولي للكتاب بالجزائر 2025.
تقع الرواية في 120صفحة، هي عمل فلسفي وجودي غارق في الغموض، يدور حول رجل يُدعى نادر يستيقظ في شقة غريبة فاقدا ذاكرته تماما. يجد حوله ملصقات تُوجّهه لكيفية العيش، ويكتشف أنّ حياته تسير في حلقة زمنية متكرّرة: كل يوم يبدأ من الصفر، بنفس الأحداث تقريبًا، مع أشخاص يعرفونه أكثر مما يعرف نفسه. من خلال لقاءاته مع جابر (صاحب المخبزة الذي يعمل عنده) وتالين (امرأة حامل كانت على علاقة غامضة به)، يبدأ نادر في التساؤل عن هويته، وذاته، وحقيقة وجوده. يتبيّن أنّ نسيانه ليس مجرّد عرض مرضي، بل رمز لفقدان الإنسان المعاصر لهويته وسط العادة والتكرار.
تغوص الرواية في أسئلة فلسفية عن الذاكرة، الهوية، الزمن، والذنب، وتستخدم لغة عميقة تمزج بين الواقعي والهلوسي. كلّ الشخصيات تبدو كأنّها مرايا مختلفة لوعي البطل المكسور، فيما يصبح فقدان الذاكرة استعارة عن محاولة الإنسان تبرير ذاته عبر النسيان. كما أنّها عبارة عن رحلة في الفراغ الإنساني، حيث يحاول البطل أن يجد معنى لحياته في عالمٍ يبدو بلا معنى، حتى يصبح "اللاشيء" ذاته هو الحقيقة العظمى. رواية "نبوءة الفلكور" لعمر بن شريط ستكون حاضرة أيضا في "سيلا25"، وهي عمل فلسفي غامض يغوص في العلاقة الملتبسة بين الفن والشر، حيث يصبح الدم جزءا من الإبداع، وتتحوّل الجماليات إلى لعنة.
تدور أحداث الرواية السادسة للكاتب الشاب والصادرة عن دار "تدوينة" للنشر والتوزيع، داخل معهد الفنون، حيث تقع حادثة غريبة لطالبة أثناء رسمها لوحة مستوحاة من الفنان محمد إسياخم. تتحوّل الواقعة إلى سلسلة من أحداثٍ غامضة ومروعة يعيشها طلاب المعهد، تتداخل فيها الرموز والأساطير والكلمات السريانية والنبوءات. ومع تصاعد الغموض، تبدأ الشخصيات في التساؤل عن معنى الشرّ، وحدود الفن، وقدر الإنسان أمام عبث الوجود.
الرواية التي تقع في 100صفحة، تمزج بين الرعب الفلسفي والدراما النفسية، وتقدّم رؤية عدمية ترى أنّ الشرّ ليس نقيض الخير، بل وجه آخر للخلق الفني نفسه؛ وأنّ الفن، حين يقترب من الحقيقة، لا بدّ أن يمرّ عبر الدم. من جهته، صدر للكاتب عبد القادر مجبري مجموعة قصصية بعنوان "وسكتت قصور الطين عن الكلام المباح" وهو العمل الفائز بجائزة عمار بلحسن للإبداع القصصي دروة 2025، صدر عن دار "خيال" للنشر والترجمة.
جاء في غلاف المجموعة أنّ الجميع لا يعرف عن تاريخه الكثير، إلاّ ما تداولته الروايات عنه رغم تناقضها، فبعضهم صنّفه كعميل للمستعمر، جنّده أيام عمله بمركز التجارب النووية بمنطقة الحمودية برقان، وما أكّد شكوكهم بعد ذلك هو منحة التقاعد التي يقبضها بالعملة الصعبة من فرنسا، والبعض يؤكّد أنّ له وثائق تثبت التحاقه بثورة التحرير، وقد زرعته القيادة بين المستعمرين في قاعدة الحمودية، وهو ما يفتر تقاضيه لمنحة المجاهدين والدعوات الرسمية التي تصله عشيّة الاحتفال بالأعياد الوطنية، قصص كثيرة نسجت حوله، جعلها سكوته وقلة حديثه عن ماضيه تنمو وتضاف لها - في كّل مرة تفاصيل جديدة لكن ما يتّفق عليه الجميع أنّ أزمة أبا جلول النفسية جاءت نتيجة ما فعلته القنبلة الذرية برقان.
تجده معظم الوقت يحدّث نفسه بصوت مسموع، بلغة عربية فصحى ومرات بفرنسية ركيكة، يرسم أشكالا على الرمل ثم سرعان ما يمحوها... ليعيد رسمها من جديد، يُعطي أوامر عسكرية، ثم يجيب منفذا لها، فرغم مهامه البسيطة نسبياً بموقع التجارب النووية يومها كحمل بعض الأغراض، ومدّ بعض الأسلاك، أو محاولة ترجمة أقوال الضابط المسؤول عن العمال الجزائريين بالموقع، إلاّ أن ذاكرته الفتية – حينها جعلته يحتفظ بما عايشه كأنه البارحة. ومع كل شتاء تتجدد الذكرى وتطفو الذكريات مرة أخرى، فهو لا يستطيع أبدا نسیان تاریخ 13 فيفري 1960.
الدراسات حاضرة أيضا
«مبتدأ مؤخر.. عن الهيمنة والتفكيك والاستعمار الثقافي" هو عنوان الاصدار الجديد للأستاذ عبد القادر رابحي، وورد في غلاف الكتاب الذي يضمّ مجموعة من المقالات وصدر عن دار "دواية" للنشر، أنّ القارئ سيلاحظ أنّ هذه الموضوعات تدور في مجملها حول فكرة التخلّف والاستعمار والهيمنة الثقافية والعلاقة بالآخر والتحديات التي تواجه الإنسان العربي وخاصة تحدي القضية الفلسطينية بما آلت إليه اليوم من محاولة تصفية نهائية تحت وطأة ما يشهده العصر من تغييرات جذرية كل النواحي الفكرية والفلسفية والاجتماعية والسياسية، وذلك بالنظر إلى ما يقدّمه المتغيّر الرقمي من ممكنات تكنولوجية نقلت الأطروحات الفكرية والفلسفية من منطق ما بعد الحداثة إلى منطق ما بعد الإنسان في نسخته الآلية المبرمجة بقدرة الذكاء الاصطناعي على اختراق المنظومات الفكرية والمعرفية الأكثر حصانة والأكثر انغلاقا وتغيير إحداثياتها التي بنت عليها وجودها وأسّست عليها نضالاتها في أوقات سابقة.
لقد صار الاستعمار الثقافي بمفهومه الرقمي المعولم حقيقة واقعية لا يمكن إنكارها، كما صارت الأدوات التكنولوجية أدوات نافذة في تفكيك الأنساق الثقافية للمجتمعات وإعادة تركيبها وفق آليات مهيمنة تمتح من مفاهيم التغول التكنولوجي الذي يؤدي إلى بسط الكولونيالية الجديدة على رقعة المجتمعات الأقل مواجهة والأكثر ضعفا والأسرع قابلية للهيمنة.