"القفطان" و"الأرفطان" التلمساني

إرث تاريخي وتراث جزائري بامتياز

إرث تاريخي وتراث جزائري بامتياز
  • 457
وردة زرقين وردة زرقين

أكّد أساتذة جامعيون وباحثون متخصّصون، خلال اليوم الدراسي الذي نظّمه المركز التفسيري ذي الطابع المتحفي للباس التقليدي بتلمسان مؤخراً، أنّ "القفطان" يُعدّ إرثاً تاريخياً وتراثاً جزائرياً بامتياز، متجذّراً في الذاكرة الثقافية الوطنية ومرتبطاً بالهوية التلمسانية على وجه الخصوص.

أوضح المتدخّلون في هذا اللقاء العلمي، المنعقد بعنوان "القفطان الجزائري إرث جزائري راسخ لأكثر من عقد من الزمان"، والمنظَّم احتفاءً بالذكرى الثالثة عشرة لتصنيف "الشدّة التلمسانية" ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو، مع تصويب عنوانها وإرفاقها بـ"الأرفطان" التلمساني، أنّ هذا اللباس التقليدي يُعدّ موروثاً أصيلاً متداولاً لدى العائلات التلمسانية، وفريداً من نوعه لما يحمله من أبعاد تاريخية وجمالية وحضارية.

في مداخلتها الموسومة بـ"القفطان والأرفطان الجزائري: دراسة في الجذور التاريخية والتمثلات التراثية"، أوضحت الدكتورة فايزة مهتاري، من جامعة "أبوبكر بلقايد" بتلمسان، أنّ المرأة التلمسانية ترتدي "القفطان" منذ القرن الخامس عشر، مستعرضةً جملة من الدلائل التاريخية التي تُبرز عمق هذا الزّي التقليدي العريق. وعادت المتدخّلة إلى الجذور التاريخية المهمة لـ"القفطان" أو "الأرفطان" كما يُسمّيه أهل تلمسان، متوقّفة عند العناصر المتعدّدة التي أثّرت في تطوّر هذا اللباس الجزائري التلمساني بامتياز.

وأكّدت الدكتورة مهتاري أنّ "القفطان" استقر بتلمسان عبر محطات تاريخية متعدّدة، من العهد العباسي إلى دولة بني الأحمر، وصولاً إلى الجزائر مع الموريسكيين ثم العثمانيين. كما أوضحت أنّ أصل التسمية يعود إلى كلمة "كرفطان" ذات الجذور الفارسية، والتي انتقلت إلى بغداد محافظةً على تسميتها، بالنظر إلى الدعم الذي قدّمه الفرس للحضارة العباسية، قبل أن تنتقل إلى دولة بني الأحمر، حيث ازداد "القفطان" جمالاً باستعمال خيوط الذهب الملوّنة.

وأضافت المتدخلة أنّ سقوط الأندلس شكّل محطة مفصلية في مسار هذا اللباس، إذ حمل الموريسكيون تراثهم وفنونهم وثقافتهم إلى عاصمة المغرب الأوسط، تلمسان، وهو ما أسهم في إثراء "القفطان"  جمالاً وتنوّعاً وأصالة. ومع مرور الزمن، تطوّر هذا الزّي من لباس السلاطين إلى لباس النخبة، متأثّراً بالبيئة التلمسانية التي أضفت عليه طابعها الجمالي الخاص، ليصبح اليوم جزءاً لا يتجزأ من طقوس الأعراس والاحتفالات في الجزائر عموماً، وتلمسان خصوصاً.

كما قدّمت الدكتورة مهتاري عرضاً لأنماط القفطان الجزائري، من بينها قفطان الشرط، والأرفطان، وقفطان الباي، وقفطان القاضي، والقاط والقويط وغيرها، إضافة إلى تناولها رمزية هذا اللباس، وكيفية ارتدائه، وأهم الحُلي واللواحق التي ترافقه، مثل أغطية الرأس، والشاشية، والتقريفة، والعصابة، والزروف وغيرها من المكمّلات التقليدية.

من جهتها، أكّدت مديرة المركز التفسيري ذي الطابع المتحفي للباس التقليدي، السيدة رشيدة عامري، أنّ الاعتراف بـ"القفطان" التلمساني لا يُعدّ تتويجاً لجمال هذا اللباس فحسب، بل هو اعتراف بعمق هذا الإرث وأصالته الضاربة في التاريخ، وتأكيدا على ترسيخه كعنصر أصيل لا يتجزأ من التراث الثقافي غير المادي للجزائر.

أما الدكتور حمو بوداود ، من جامعة تلمسان، فقد ركّز في مداخلته المعنونة بـ"الدبلوماسية الثقافية في الجزائر"، على مفهوم الثقافة وعلاقتها بالمجال الدبلوماسي، مبرزاً أنّ المدخل الثقافي يُعدّ الأساس لأيّ دولة قبل التدخّل العسكري أو الاقتصادي، باعتباره الأداة الأنجع للتعريف بها وبقيمها الحضارية.

وأوضح المتدخّل أنّ الدبلوماسية تمثّل القوّة الناعمة للدولة، فيما تُعدّ الثقافة شكلاً من أشكال الإشهار للمجتمع، وقدراته، وأفكاره، وقيمه. وأضاف أنّ نجاح الدبلوماسية الاقتصادية مرهون بالنجاح الثقافي، متطرّقاً إلى دور المنتوج الثقافي في فتح آفاق التبادل الاقتصادي، والمخابراتي، والتكنولوجي بصفة عامة، مشيراً في هذا السياق إلى الانتصار الذي حققته الدبلوماسية الثقافية الجزائرية، والمتوَّج بتصنيف "القفطان" و"الأرفطان" كتراث جزائري، استناداً إلى الدليل العلمي والتاريخي.