إطلاق برنامج "كان يا ما كان" بقصر الثقافة
إدراج العروض بالمؤسسات التربوية والثقافية لترسيخ التراث المحكي

- 111

أطلقت وزيرة الثقافة والفنون، مليكة بن دودة، أوّل أمس، بقصر الثقافة "مفدي زكريا" برنامج "كان يا ما كان" للحكواتيين لإدراج عروضهم عبر مكتبات المطالعة العمومية، وفي المؤسّسات التربوية وذلك من أجل تعزيز هذا التراث عند النشء وحمايته من الاندثار، كما أعلنت عن الشروع في عملية تسجيل التراث الحكائي الشعبي، ضمن مشروع وطني لدعم المطالعة، إضافة للتأسيس لحدث حكائي وطني يعنى بـهذا التراث ويرسّخه في المشهد الثقافي والفني العام.
في جلسة جمعتها بالحكواتيين (أغلبهم محترفون) القادمين من عدّة مناطق من الوطن، دعتهم بن دودة إلى التعاون مع الوزارة من خلال هذا المشروع المهم، مؤكّدة أنّها التزمت أن يكون إطلاق هذا المشروع الرائد موازيا للدخول المدرسي علما أنّ التنسيق سيكون أيضا مع وزارة التربية لجعل الحكواتي جزءا من البرنامج الدراسي حيث يلتقيه التلاميذ ليكتشفوا من خلاله هذا التراث الأصيل.
"نظّموا أنفسكم ومجهوداتكم وستكون هناك آلية لحماية حقوقكم"
قالت الوزيرة لضيوفها الحكواتيين "نظموا أنفسكم ومجهوداتكم وستكون هناك آلية لحماية حقوقكم"، وقالت أيضا إنّ تراث الجدات بدأ يختفي أمام اكتساح وسائل الاتصال والذكاء الاصطناعي، لذلك جاءت فكرة إرجاع دفء الحكاية، طالبة من الحضور مساعدتها على تجسيد هذا البرنامج الطموح وبالتالي فإنّ المطلوب، حسبها، هو إدخال الحكاية لكلّ المراكز ودور الثقافة وللمكتبات والمدارس، مع تسجيل كلّ ما يقدّم بالصوت والصورة ليحفظ ويرقمن كأرشيف، مثمنة بالمناسبة مقترح إنشاء "بيت الحكاية" ليكون مشروعا دوليا للحكاية الإفريقية.
انخراط تام للحكواتيين في المشروع الأوّل من نوعه
بعدها، تدخّل العديد من الحكواتيين الذين ثمّنوا المشروع مؤكّدين الانخراط فيه ودعمه، وكان أوّلهم الحكواتي المعروف الصديق ماحي الذي استهل تدخّله بشعر يفتتح به القوالة والمداحة حكاياتهم، ليشير بعدها إلى أنّ هذا الفن متوارث وبالتالي برمجته عبر كلّ مناطق الوطن وهو ما سيزيد من وتيرة الإبداع ويساهم في عملية جرد الحكايات وبالتالي تسجيلها، متوقّفا أيضا عند أهمية طريقة الحكي والعرض تماما كما كانت عند الأجداد، ليعبّر للوزيرة عن تفاؤله بهذا المشروع الأوّل من نوعه قائلا "العام يبان على خريفه".
أما الحكواتي قادة بن سميشة فدعا لتفكير جماعي لتحقيق هذا المشروع، مذكّرا بأهمية الحكواتي في تاريخنا الوطني كدوره في ثورة التحرير، مقترحا تنظيم جولات وطنية ومهرجانات محلية وتبادل بين الحكواتيين، زيادة على ورشات التكوين والتربصات وتعزيز العلاقة المتينة التي جمعت بين الحكي والمسرح، وبدورها ثمنت الحكواتية سهام كنوش في هذه الجلسة مع ، المبادرة وهذا الاجتماع الأوّل من نوعه في الجزائر، مستعرضة أهمية الجرد والتعامل مع المحترفين وليس مع من هبّ ودبّ.
تدخّل أيضا العديد من الحكواتيين الذين اتّسموا بالموضوعية وسعة الأفق والتمكّن من طرح الانشغالات التي وقفوا عليها من خلال تجاربهم الميدانية، بعضهم أكّد ريادة الجزائر في هذا الفن على المستوى الدولي، فيما طالب البعض الآخر بأن ترافق الحكاية الشعبية التلميذ الجزائري كما هو الحال في بلدان أخرى زاروها وعملوا في بعض مدارسها، كما طرح البعض دور الحكاية في زرع الطمأنينة وفي العلاج النفسي، لتتوقّف في الأخير الحكواتية المعروفة نعيمة بحايلية عند تجربتها في تكوين الحكواتيين خاصة منذ 2016 بالإقامة الجامعية لتيبازة، ليصبحوا اليوم معروفين في الساحة، منوّهة بدور الحكواتيين في تمثيل الجزائر بالخارج وحصولهم على جوائز وتشريفات دولية.
استغلال الحكاية في التحصيل المعرفي
حضر اللقاء أيضا البروفيسور عبد الحميد بورايو الذي كلّفته الوزيرة بن دودة أثناء الجلسة بأن يدير هذا المشروع وأن يكون هو قاطرته نتيجة رصيده البحثي الطويل في المجال، وقد أكّد وجود جهود فردية فيما سبق، وجاء الآن دور الجمعيات، مع الحاجة لتنظيم مهرجان بهذا الفن من تراثنا الثقافي، داعيا أيضا لاستغلال الحكي كإطار لتقديم تاريخنا الوطني وأدبنا المكتوب منه روايات الروّاد كمعمري وديب وبن هدوقة ومولود فرعون وغيرهم، متوقّفا عند تجربته في البحث التي بدأت منذ الاستقلال مع حكواتيين شعبيين وكيف كانوا ومن قبلهم، حلقة من تاريخنا الثقافي ظلّت مجهولة.
للإشارة، التحقت الوزيرة والحكواتيين بعدها بفضاء مجاور لمكان اللقاء، حيث جلس الأطفال يتابعون الحكايات منها حكاية قادة بن شميسة عن الدرس والقسم مرفقا بعزف موسيقي، فيما قدمت الوزيرة حكاية "الصياد والمقنين" وفيها يقرّر صياد طيور ذات مرة أن ينصب فخا لعصفور ويأخذه لبيته ويضعه في قفص من ذهب به حرير ويطلب منه الغناء لكن المقنين يرفض ويحزن شوقا لوكره بالغابة ولحريته، ليعود في الأخير لعشّه .
الحكواتية نعيمة محايلية: نتمنى عودة المبادرات التي حقّقت النجاح
أكّدت الحكواتية المعروفة نعيمة محايلية أنّ لها ورشات تكوين وتخرّج على يديها الكثير من الأسماء الناشطة اليوم في الساحة الوطنية، كما قامت بعروض حكواتية عبر مختلف المدارس والمؤسسات والمراكز الثقافية، وأنجزت بعض المسرحيات علما أنها كما تقول "تمسرح الحكاية"، وقد تؤدي العديد من الشخوص .
قالت السيدة نعيمة إنّها أيضا تروج للهجة الجزائرية الأصيلة والنقية الخالية من الشوائب والكلمات الدخيلة فتستعمل كلمات قديمة بعضها انقرض لتعيد احياءها، وهنا تضيف "أنا التزم مثلا باللهجة العاصمية العتيقة في حكاياتي وأحيانا بلهجات أخرى تتماشى وأصل الحكاية ومنطقتها كي تكون مقنعة أكثر مع استخدام كلّ التعابير الممكنة من ايحاءات وتقاسيم الوجه والحركات ونبرة الصوت وغيرها".
كما أكّدت السيدة نعيمة أنّها كُرّمت مرتين في الخليج العربي واعتبرت أحسن حكواتية عربية وتم اختيارها أيضا في مناسبة دولية أخرى كسفيرة للمهرجان الدولي للحكاية، وفي كلّ مرة كان الأجانب يعجبون بتراثنا الزاخر، زيادة على ظهورها في بعض المناسبات منها البرامج التلفزيونية وأشهرها في برنامج "قعدتنا جزائرية".
تتمنى الحكواتية أن تعود بعض المبادرات التي كانت منذ عقود وحقّقت النجاح منها برنامج "كان يا ما كان " بقسنطينة و"القارى الصغير" بوهران، معتبرة خلال حديثها أنّ الحكاية تفعل ما لا يفعله التلقين الجاف المباشر وكانت دوما ترعى الخيال الخصب وتصنع القدوة وتعزّز القيم .
الحكواتية سهام كنوش: المطلوب الالتزام بالاحترافية والتكوين
قالت الحكواتية سهام (أستاذة الأدب العربي ومعدة برنامج في التراث بقناة كنال دالجيري) إنّ الحكواتي إنسان يعمل بشغف وبوتيرة عالية ليعطي ما عنده في أكمل صورة، وهو يتعامل أيضا بتمكّن مع العملية البيداغوجية المبنية طبعا على الحكي ليربط بين القصة والطفل، علما أنّ هذه العملية شهدت نوعا من التوتر، وآن لها أن تعود مجدّدا من خلال العودة للتراث الشفهي الذي سيكون بدوره أداة للعودة للقراءة والكتاب .
عن جلسة الوزيرة مع الحكواتيين علّقت "إنّها أوّل مرة نلتقي فيها بطريقة رسمية في انتظار لقاءات أخرى لتسمع السيدة بن دودة من الحكواتيين أنفسهم الذين يعملون في الميدان، كلّ من منطقته وبلهجته وطريقته، مع مراعاة الاحترافية كشرط لذلك وجب التكوين والتدريب من ذلك طريقة الوقوف على المسرح والتمكّن من أبجديات علم النفس ومن الآداب العالمية والتحكّم في الإشارات والتعابير وغيرها".
السيدة سهام تنشط أيضا حفلات أوبرا الجزائر الخاصة بفن الأندلسي والحوزي والمالوف وغيرها، حيث تختار مقاطع من قصائد التراث أو نصوصا وقصصا من الأدب الصوفي.
الحكواتي ايدير فارس: الحكاية علاج ومتنفس
بدوره، تحدّث الحكواتي ايدير فارس من ولاية بجاية لـ"المساء" عن تجربته في هذا المجال، حيث أكّد أنّه خاض تجربة من التكوين على يد مختصين منهم السيدة نعيمة محايلية، وحين اشتغاله كحكواتي رأى مدى التجاوب من الجمهور الصغير والكبير فهو شغوف ومتابع ومعجب بالتراث علما أنّ المتحدّث يسرد الحكايات من التراث الجزائري الخصب منه الأمازيغي كما حكته الجدات.
قال السيد ايدير "أعجبني الإقبال الكبير للجمهور خلال فعاليات مهرجان الحكاية بسيدي بلعباس، وأثر في طفل مصاب باضطراب التوحد استمع لحكايتي وفي اليوم الموالي جاء وأعاد سردها من فرط إعجابه وتأثّره بأحداثها وهو ما ترك أثرا عند عائلته وعندي طبعا، كذلك الحال مع آخرين من أناس عاديين يجدون متنفّسا معنا نتيجة ضغوط الحياة التي تكبت مشاعرهم، لذلك علينا أن نحكي تراثنا كي يحيا وكي لا تأكله الأدراج"، وعن المشروع الذي أطلقته الوزارة تمنى ايدير فارس أن تكون له ثماره وينتج مشاريع أخرى تثمن الحكي الذي هو عماد من أعمدة تراثنا الوطني.
الحكواتية سيدة بلهادي: عشقت الحكاية
قالت الحكواتية سيدة بلهادي القادمة من ولاية واد سوف إنّ تجربتها مع الحكاية بدأت منذ 2015 حينما كانت تعمل ممرضة بأحد المستشفيات في قسم الأطفال المرضى المصابين بالسرطان، وأثناء المكوث مع هؤلاء المرضى كانت تواسيهم بسردها بعض القصص ما يخفّف معاناتهم، وأمام ذلك قرّرت الاستمرار والبحث كي تجلب المزيد من الحكايات فراحت تبحث بين الناس وتقصد كبار السن لتحصل على ما تريد لتعطيه للصغار، وهكذا وجدت نفسها في صميم التراث تجمعه وتحكيه، لتتوسّع بعدها الحكاية وتدخل بها المكتبات والورشات منها في تظاهرة "القراءة في احتفال".
صالح روان: الحكاية من السير الشعبية
بدوره، تحدّث الحكواتي روان صالح من بوسعادة لـ"المساء" عن تجربته الحكواتية من خلال العروض في الساحات ودور الثقافة والمهرجانات الوطنية، قائلا إنّه يُعرف في بوسعادة باسم الحكواتي (هو ممثل أيضا في بعض الأفلام) يستعمل في عروضه الشعر الملحون مرفقا بالقصبة (الناي) ليسرد في الغالب أمجاد الماضي مستعملا اللهجة المحلية، فكلّ طير، حسبه، يلغى بلغاه، ومما يقدمه المقاومات الشعبية كمقاومة الأمير عبد القادر وكذا الملاحم والسير كسيرة بنو هلال مع الجازية وذياب وغيرها من الشخصيات، وصولا لأمجاد الثورة من ذلك أمجاد بوكحيل الجبل الذي قهر الأطلسي وغيرها من الأحداث والحكايات المحلية التي يرحل بها نحو مدارس المناطق النائية حيث يجد التجاوب والعرفان .