ندوة "الوسطية في المذهب المالكي" بجامعة الأمير عبد القادر
إحياء المنهج المالكي لبناء خطاب ديني معتدل
- 161
شبيلة. ح
أكد المشاركون في الندوة الأكاديمية "الوسطية في المذهب المالكي" التي احتضنتها جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الاسلامية بقسنطينة، نهاية الاسبوع، على أن الوسطية مثلت إحدى الركائز العلمية التي حافظت على تماسك الهوية الدينية في الغرب الإسلامي.
أسهمت هذه الوسطية في المذهب المالكي عبر قرون في بناء خطاب معتدل يوازن بين النص الشرعي ومقتضيات الواقع، وقد أبرز المتدخلون أهمية إعادة قراءة الوسطية قراءة علمية دقيقة تستند إلى أصول المذهب، لا إلى الاستخدامات المتكررة للمصطلح في الخطاب العام، والتي جعلت منه مفهوما فضفاضا ابتعد في كثير من الأحيان عن دلالته الشرعية الأصيلة. تطرق المشاركون من باحثين ومختصين في الفقه والحديث في مداخلاتهم إلى المعنى القرآني للوسطية باعتبارها قيمة جامعة تحفظ للأمة توازنها، وتبعدها عن مسالك الغلو والتشدد، وتعزز أسس التعايش والسلم المجتمعي، وتحمي الأفراد من الانحراف الفكري.
طرحت الندوة إشكالية علمية محورية تتعلق بمدى حضور الوسطية في البنية الأصولية والفقهية للمذهب المالكي، ومحاولة اكتشاف القواعد التي صاغت هذا النسق منذ نشأته، خاصة أن المذهب اعتمد منهجا يقوم على الجمع بين الكليات والجزئيات، والأصول والفروع، والتوفيق بين النصوص الشرعية ومعتبرات المصالح، ما جعله قادرا على استيعاب المستجدات التاريخية وإيجاد الحلول للنوازل الطارئة دون تفريط أو تشدد.
رأى المختصون أن تغييب هذه القراءة الشاملة لصالح التعامل مع النصوص الجزئية في العصر الحديث أدى إلى اضطرابات فقهية واجتهادات متشددة أغلقت باب التيسير الذي ميز المدرسة المالكية عبر تاريخها، ما استدعى تحليل هذه الظاهرة والعودة إلى المنهج المالكي الأصيل، المبني على الاجتهاد المقاصدي، ومراعاة الخلاف، والعمل بالاستصلاح، واعتبار المصالح التي لم يرد نص خاص بشأنها، وهي قواعد شكلت عبر الزمن سياجا يحول دون الانغلاق والجمود.
كما أبرز المتدخلون رغبة واضحة في كشف المفهوم الحقيقي للوسطية الشرعية، وإثبات أنها ليست موقفا وسطا فحسب، بل هي ركن أساس في التشريع، ومقصد من مقاصد الدين، ومنهج اجتهادي متكامل داخل المدرسة المالكية، حيث تطرق المشاركون إلى إجلاء مظاهر الوسطية من خلال استعراض أصول المذهب، وبيان دوره في المحافظة على الهوية الثقافية للمجتمع، خاصة أن المالكية كانت ولا تزال أحد المحددات الأساسية للهوية الدينية الجزائرية، مؤكدين على ضرورة إعادة الاعتبار للأصول الجامعة للمذهب بدل الانشغال بالفروع التي تعمق الخلاف، داعين إلى إحياء الدراسة العلمية للمذهب وتعميق فهمه بين الطلبة والباحثين، باعتباره نموذجا قادرا على مواجهة تحديات العصر وبناء خطاب ديني راشد يقوم على الاعتدال والسماحة ويصون الوحدة الفكرية للأمة.
أوصى المشاركون في ختام الندوة بضرورة اعتماد الوسطية معيارا أساسيا في الترجيح بين الأقوال والمذاهب والآراء في مختلف القضايا الخلافية فقها وأصولا، باعتبارها الركيزة الأمتن لضبط الفتوى وتوجيه الخطاب الديني بما يخدم استقرار المجتمع. كما دعا المتدخلون إلى إبراز مظاهر وسطية المذهب المالكي في قضايا الأسرة عموما والمرأة خصوصا، والعمل على إعداد دراسات متخصصة تبرز ملامح الاعتدال في فتاوى علماء الجزائر عبر العصور، حيث أكدوا على أهمية الأخذ بالفتوى الجماعية وفتاوى المؤسسات العلمية عند اعتماد قاعدة مراعاة الخلاف في النوازل المعاصرة، بما يضمن انسجام الأحكام مع الواقع.
كما شددت التوصيات على ضرورة إنجاز بحوث أكاديمية تناقش علاقة المذهب المالكي بقيم الوسطية وتسهم في إثراء الرأي العلمي، حيث دعوا كذلك إلى تعزيز المرجعية المالكية داخل المجتمع دعما للأمن الفكري وترسيخا لقيم الاعتدال في المؤسسات التربوية والعلمية والإعلامية. في ختام التوصيات، تمت دعوة الخطباء والأئمة إلى التنويه بمذهب مالك والشرح المستمر لوسطيته وحث الناس على التمسك بها، مع مطالبة أهل العلم بالتعمق في فقه أدلة المذهب وحسن تنزيلها على واقع الناس لضمان فعالية الخطاب والفتوى.