جامعة ورقلة

إبراز ”الجماعات اللسانية وحركة تنقلاتها”

إبراز ”الجماعات اللسانية وحركة تنقلاتها”
  • القراءات: 1389
❊ نوال جاوت ❊ نوال جاوت

ينظّم قسم اللسانيات وقضايا المصطلح والمعجميات والترجمة في وحدة البحث اللساني وقضايا اللغة العربية بجامعة ورقلة، يوما دراسيا في موضوع الجماعات اللسانية وحركة تنقلاتها في الجزائر، في 22 أكتوبر القادم، بهدف تسليط الضوء على مفهوم الجماعات اللسانية، والتعرف على أهم النظريات والجهود العلمية المرتبطة بهذا المجال.

 

كما يرمي هذا الموعد الأكاديمي إلى كشف طبيعة الروابط بين تأسيس الجماعة اللسانية والأرصدة الرمزية التي تختزنها تلك الجماعة في موروثها التاريخي والاجتماعي والثقافي بشقيه المادي والمعنوي، ناهيك عن أهمية المعطيات التفصيلية حول الجماعات اللسانية وأرصدتها المعرفية والثقافية في وضع السياسات والتدابير اللغوية الخاصة باللغة في التعليم والإعلام والإدارة، والتعرف على أهم تنقلات الجماعات اللسانية في الجزائر، وتأثيرها على أداءات أفرادها، والتعرف على الواقع السوسيولساني في الجزائر والأنماط اللسانية السائدة فيه.

وانطلق القائمون على اليوم الدراسي، من فكرة ما يمثله مفهوم الجماعات اللسانية؛ كمفهوم أساس في عموم الدراسات المنتمية إلى مجال اللسانيات الاجتماعية وتلك المرتبطة بالتنوعات اللهجية، وما يلزمها من سياسات وضوابط على مستوى التدبير الإداري والسياسي في القطاعات الحيوية للاتصال اللغوي. ورغم أن الكثير من الدراسات والنظريات والمؤتمرات عُقدت في أوربا والولايات المتحدة وكندا لمعالجة تفاصيل هذا الموضوع، إلا أن الاهتمام العربي به وبمتطلباته النظرية والتأصيلية والإجرائية مايزال شحيحا وبعيدا عن المأمول؛ سواء من الناحية الكمية أم النوعية. وأضافوا أن الدراسات المهتمة بهذا الحقل عمدت إلى الربط المستمر بين وجود الجماعة اللسانية وتحديد كيانها وهويتها المادية والاعتبارية مع التاريخ الضمني والفعلي الذي قطعته هذه الجماعة عبر مراحل وجودها، وهو ما تتوارثه الأجيال؛ فينقله بمستويات متفاوتة من الدقة والشغف السلف إلى الخلف، ورغم أن هذه الذكريات الحافلة اتخذت الطابع الشفهي في الأعم الأغلب وهيمن عليها الخلط العفوي بين الحقائق والأساطير، إلا أنها تبقى رغم ذلك مصدرا هاما لفهم التوزيع النسبي القائم حاليا، واستشراف المستقبل الذي يضمن استمرار التواصل والتفاهم ليتحقق الأمن والتنمية المستديمة.

وهناك ثلاث نظريات أساسية تم اقتراحها لمعالجة مفهوم الجماعات اللسانية: الأولى اقترحها جون غامبرز (الذي وضح كيفية استخدام علماء اللهجات إحدى القضايا الأساسية في اللسانيات التاريخية، التي تفيد بأن المجتمعات اللغوية هي مجموعات متجانسة ومستقرة في نطاق محلي، إذ تسمح برسم شبكة من المخططات بناء على المبدأ القائل التوريث مع التعديل والابتكارات المشتركة. أما النظرية الثانية فقدمها وليام لابوف الذي صرح في هذا الإطار بما يأتي: إن المجتمع اللساني لا يتحدد انطلاقا من أي اتفاق يمكن ملاحظته في استعمال المكونات اللغوية، بقدر ما يتحدد على أساس المشاركة في إطار معايير موحدة (مشتركة): هذه المعايير يمكن ملاحظتها في الأنواع الظاهرة أو المعلنة من السلوك التقييمي، ومن خلال انتظام الصيغ الصورية (المجردة) الخاصة بتنوع معيّن، تلك التي تظل ثابتة فيما يخص مستويات محددة من الاستخدام. (لابوف 1972: 120). وتُعرف النظرية الثالثة بنظرية الممارسة التي تم تطويرها من طرف المفكرين الاجتماعيين، أمثال: بيار بورديو، أنطوني جيدنس، وميشال دو سيرتو، لا سيما مفهوم مجتمع الممارسة الذي عمل على تطويره جون لاف وإتيان فينكر، الذي كان له تأثير لافت للنظر في دراسة لغة المجتمع من طرف متخصصين في اللسانيات، أمثال: وليام هانكس وبينيلوب إيكارت.

لقد كان الإنسان الجزائري رحالة منذ فجر وجوده على هذه الأرض، ولا شك في أن تلكم التنقلات الكثيرة التي قام بها اختيارا منه لأجل السياحة في الأرض وإعمارها، أو اضرارا دفعته إليه مكاره الزمان والمكان ونقص الموارد الضرورية لبقاء الحياة واستمرارها، كانت واحدا من أكبر العوامل التي أثرت تأثيرا عميقا في الصورة النهائية للمجتمع واللغة والتواصل القائم في هذه الأرض الطيبة، كما نشهده اليوم، والأجيال التي تعيش المرحلة الراهنة مدعوّة إلى مراجعة هذا التراث الحافل، بل هي قمينة بأن تنهل منه الكثير من الفوائد والفرائد.

يتضح من خلال استقراء المعطيات المتوفرة حول هذا المفهوم، أنه رغم أهميته البالغة في النقاش العلمي داخل حقول معرفية عديدة، إلا أنه مازال خامدا وغير محفول به كما يجب في الدراسات الإنسانية والاجتماعية العربية، وإن هذا في حد ذاته مبرر قوي ومقنع للإقدام على اقتراح هذا اليوم الدراسي.

وقُسّم اليوم الدراسي إلى أربعة محاور أساسية، هي الجماعات اللسانية: الجذور التاريخية، التقديم الأكاديمي للمفهوم، التصورات، النظريات الأساسية في تناول الجماعات اللسانية، الأبعاد الاستراتيجية لتنقّل الجماعات ورحلاتها، و«المشاريع والدراسات العالمية والعربية في مجال الجماعات اللسانية وحركة تنقلاتها.