الثورة التحريرية

أيام كان الفن والكتابة الحرة في خدمة الثورة

أيام كان الفن والكتابة الحرة في خدمة الثورة
  • القراءات: 1030
 ق.ث ق.ث
ساهم الفن الجزائري بتنوعه وأصالته بشكل فعّال في انتصار الكفاح المسلح من أجل التحرير الوطني ضدّ الاستعمار الشامل، فقد وظف الشعب الجزائري القلم والريشة والكلمة المعبرة لتحقيق النصر المظفر وإسماع صوت الجزائر التي كانت تناضل من أجل استقلالها عبر كافة أنحاء العالم. وانتصب المثقفون والفنانون الجزائريون في ظل هبة احتجاجية توارثوها منذ قرن على الأقل وجعلوا من الأدب والشعر والفنون التشكيلية والمسرح أو حتى الأغنية وسائل للتعبير عن آلام الشعب ومعاناته من أجل المساهمة بفعالية في إيقاظ الضمائر.
حدث الانسجام بين الشعب والفنانين الذين اتخذوا الوطنية شعارا لأعمالهم الفنية التي عبرت عن الظروف المعيشية آنذاك وكانت تحث على التغيير من خلال تحسيس الشعب ولو كناية في قالب إيحائي. وبعد بلوغ هدف الصحوة وإيقاظ الضمائر، توجب الانتقال إلى توحيد الصفوف، تمهيدا للعمل التحرّري.
وقد ساهم كل من محمد ديب، جان الموهوب، عمروش وطاوس مارغريت عمروش، محي الدين بشطارزي، مصطفى كاتب، أحمد وهبي، فريد علي، سليمان عازم، محمد خدة، شكري مصلي، محمد اسياخم، كاتب ياسين، مولود فرعون، مالك حداد وآخرون في فضح فظاعة الاستعمار بكتاباتهم وأشعارهم وأدائهم الفني من أجل حمل الشعب وقادته إلى المعركة النهائية،  في البداية، ومن خلال الرسم، أنجزت صور لكبار الأبطال الذين ثاروا في وجه الاستعمار وعارضوا تواجده بالجزائر، إلى جانب لوحات أخرى مثلت كبرى المعارك ضد العدو، ولا شكّ أن صور الأمير عبد القادر، المقراني، أولاد سيدي الشيخ، بوعمامة والشيخ الحداد أو حتى معركة الزعاطشة وغيرها مثلت العديد من النداءات والدعوات الدائمة والمتجددة للحفاظ على الروح الوطنية والثورية.
في لوحة حملت عنوان «الجزائر ملتهبة»، جسد شكري مصلي بشكل تام احتدام الحرب بالجزائر وتداعياتها. ومن خلال لوحته «الأرملة»، كرم محمد اسياخم الأمهات والأرامل اللائي بقين صامدات رغم آلامهن، مجسّدا بذلك صورة المرأة التي لا تستسلم أبدا، ولا شك أنّه أراد أن يرمز أيضا لمخاض ميلاد أمة.
وكان الحال مماثلا بالنسبة للموسيقى والأدب، ففي 1936 نشّط عيسى الجرموني حفلا فنيا بقاعة الأولمبياد، لقي تجاوبا كبيرا من قبل الجمهور ولم يتوان الفنان بين وصلتين من شعر الغزل باللهجة العامية في توجيه رسالة باللهجة الشاوية يحثّ فيها محبّيه على مقاومة المستعمر.
قبل سنة 1945 بكثير أطلق النشيد الوطني «من جبالنا» وتزامنا مع ذلك، نظم مفدي زكريا نشيد «فداء الجزائر» الذي كان بمثابة نداء إلى الثورة الشعبية للدفاع عن الأمة الأمر الذي كان وراء توقيفه أول مرة سنة 1937. وكان مفدي زكريا الذي كلّفه نشاطه النضالي الاعتقال عدة مرات، العضو المؤسّس خلال فترتين مختلفتين ليوميتي «الشعب» ثم «المجاهد» ليحمل النضال التحرري في أشعاره إلى حين إعداده النص الرسمي للنشيد الوطني الجزائري سنة 1955.
وكان لمجازر 8 ماي 1945 دور حاسم في تنامي الوعي في المجتمع، وبهذا تحوّلت الكتابات الأدبية التي كانت تقتصر على المعاينة والسرد إلى خطابات لتشجيع الجزائريين على الانتقال إلى مرحلة العمل، وكان الكاتب محمد ديب ينتهج أدب المعاينة في كتاباته، كما يتجلى ذلك في الثلاثية الأدبية «الحريق»، «الدار الكبيرة» و«النول»، حيث يتم إسقاط الذات للتملّص من الواقع واستحضار الذكريات المعاشة مع البقاء بعيدا عن الأحداث بشكل يسمح بفهم أفضل للظروف السائدة.
وتمكّن كل من جون الموهوب عمروش وطاوس مارغريت عمروش من جمع أشعار مسنات القرى والمدن التي تنقل المعاناة اليومية للشعب الجزائري في مؤلف بعنوان «تقاليد شفوية»، كما كتبت طاوس عمروش فيما بعد مؤلّفا عن سيرتها الذاتية بعنوان «الياقوتة السوداء» (1945) يتطرّق أيضا إلى معاناة الجزائريات من خلال قصتها الحقيقية. كما قامت الأديبة التي تتميز بقوة عزيمتها بكتابة وتلحين وأداء أغاني وطنية تدعو إلى الثورة على الوضع السائد.
وفي سنة 1947 تمّ إصدار كتابين بعنوان «يوغورطة» لجون عمروش و«رسالة يوغورطة» لمحمد شريف ساحلي حول الشخصيات المؤسسة للدولة الجزائرية. و تأتي ثلاثية مولود فرعون «ابن الفقير»، «الأرض والدم» و«الدروب الوعرة» لتؤكّد على خصائص الرواية في شكل سيرة ذاتية في كفاح رجال الفكر من أجل استرجاع السيادة الوطنية من خلال سرد الحياة الشخصية التي تعكس الواقع المعاش للجماعة.
ونجد الأديب مولود معمري يعطي الكلمة للشعب الجزائري في كتاباته، كما يتجلى ذلك في الثلاثية «الهضبة المنسية»، «الأفيون والعصا» و«غفوة العادل»، حيث يفتح منبرا لكلّ الرواة الحاملين لخطابات مناهضة للأوضاع المتدهورة والهشة.
أمّا كاتب ياسين، فتتجسد عبقريته في عدة مؤلفات منها «في سطيف تكوّنت شخصيتي الإسمنتية» (أحداث ماي 1945)، «نجمة»، «الجثة المطوقة»، «المضلع المنجم»، «الأجداد يزدادون ضراوة» الداعية إلى التميز ورفض الاستسلام.
وبالإضافة إلى الهبة التضامنية في الكفاح التي أظهرها هؤلاء الأدباء والمفكّرون على الجبهة الداخلية، فقد ساهم الفن والأدب الجزائري في تجنيد التضامن الدولي مع القضية الجزائرية لا سيما لدى المفكرين والفنانين والفلاسفة والسينمائيين والشعراء.